بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (الرّسالة المدنيّة) لابن تيمية
الدّرس التّاسع
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين وصلّى الله وسلّم على عبدهِ ورسولهِ نبيّنا محمّد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم أغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين.
يقولُ شيخُ الإسلامِ الإمام أبو العباس ابن تيمية -رحمهُ الله تعالى وأجزلَ مَثوبتهُ- في "الرسالة المدنية في الحقيقةِ والمجاز في الصفات" قال رحمهُ الله:
قلتُ لهُ: المقامُ الثاني أنْ يُقال: هَبْ أنّهُ يجوزُ أن يعنيَ باليدِ حقيقةَ اليدِ، وأنْ يعنيَ بِها القُدرةَ أو النعمةَ، أو يَجْعل ذِكْرها كِنايةً عَنِ الفعلِ، لكنْ ما الموجبُ لصرفِها عَنِ الحقيقةِ؟
فإنْ قلتَ: لأنَّ اليدَ هي الجارحةُ وذلكَ مُمْتنعٌ على الله سُبْحانه. قلت لك: هذا ونحوهِ يوجبُ امتناعَ وَصْفهِ بأنَّ لهُ يدًا مِنْ جِنسِ أيدي المخلوقين..
– الشيخ: هذا يوجبُ
– القارئ: قلتُ لكَ: هذا ونَحْوهِ يوجبُ امتناعَ وَصْفهِ بأنَّ لهُ يدًا مِنْ جنسِ أيدي المخلوقين، وهذا لا ريبَ فيه، لكنْ لِمَ لا يجوزُ أنْ يكونَ لهُ يدٌ تُناسِبُ ذاتهُ تَسْتحقُّ مِنْ صفاتِ الكمالِ ما تَسْتَحِقُّ الذات؟ قال: ليسَ في العقلِ والسمعِ ما يُحيلُ هذا.
قلت: فإذا كانَ هذا مُمْكِنًا وهو حقيقةُ اللفظ ِفَلِمَ يُصرفُ عنهُ اللفظُ إلى مجازهِ؟ وكلُّ ما يَذْكرهُ الخصمُ مِنْ دليلٍ يَدلُّ على امتناعِ وَصْفهِ بِما يُسمّى بهِ وصَحّت الدلالة سُلّمَ لهُ أنَّ المعنى الذي يَسْتحقّهُ المخلوقُ مُنْتَفٍ عنهُ، وإنّما حقيقةُ اللفظِ وظاهرهُ يدٌ يَسْتحقُّها الخالقُ كالعلمِ والقدرةِ، بلْ كالذّاتِ والوجود.
المقامُ الثالث.
– الشيخ: يعني ليسَ هناك ما، الآن حَقّقنا في المقامِ الأول أنَّ اليدَ تُطْلَقُ على كذا، تُطلقُ على، تُطلقُ على النعمة، تُطلقُ على القدرة، تُطلقُ على كذا، ولكنْ ما هو المانع؟ تَجدُ أنّهُ لا مانعَ، لا مانعَ مِنْ حَملِ ذلكَ على الحقيقةِ، وإذا قُلْنا على الحقيقةِ فليسَ المرادُ الحقيقة إنَّ يَدهُ تعالى مِثلُ أيدينا؛ لأن كما نَقولُ إنَّ عِلمهُ ليسَ كَعِلمِنا وسَمْعهُ ليسَ كَسَمْعِنا بل كما نقول أنَّ وجودهُ ليسَ مِثلَ وجودِنا، فلهُ وجودٌ يَخصّه، لهُ وجودُ الحقيقة، حقيقي يَخصّهُ، ولهُ ذاتٌ ليستْ كسائِر الذوات، كذلكَ لهُ يدان ليست كأيدينا، الباب واحد.
– القارئ: المقامُ الثالث: قلتُ لهُ: بَلغكَ أنَّ في كتابِ الله أو في سُنّة رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-، أو عَنْ أحدٍ مِنْ أئمّةِ المسلمينَ أنّهم قالوا: المرادُ باليدِ خِلافُ ظاهرهِ، أو الظاهرُ غيرُ مُراد، أو هلْ في كتابِ الله آيةٌ تَدلُّ على انتفاءِ وَصْفهِ..
– الشيخ: هل في أية..
– القارئ: أو هلْ في كتابِ الله آيةٌ تَدلُّ على انتفاءِ وَصْفهِ باليدِ دلالةً ظاهرة، بلْ أو دلالةً خَفيّة؟ فإنَّ أقصى ما يَذْكرهُ المتكلّف قولهُ: قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ [الإخلاص:1] وقولهُ: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ [الشورى:11] ، وقوله: هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا [مريم:65] وهؤلاءِ الآياتِ إنّما يَدُلُلن على انتفاءِ التجسيم ِوالتّشبيه..
– الشيخ: يدُلُلن، كذا عندك؟
– القارئ: نعم
على انتفاءِ التجسيمِ والتّشبيهِ. أمّا انتفاءُ يدٍ تَليقُ بجلالهِ، فَليسَ في الكلامِ ما يَدلُّ عليهِ بوجهٍ مِنَ الوجوه، وكذلكَ هل في العقلِ ما يَدلُّ دلالةً ظاهرة..
– الشيخ: يقول أيش؟ إنما يدلُ قبل، بعد الآيات الثلاث، بعد الآيات
– القارئ: وهؤلاءِ الآياتِ إنّما يَدْلُلُنَ على انتفاءِ التجسيمِ والتّشبيه..
– الشيخ: التجسيم في كلام الشيخ غريب هنا
– القارئ: يعني على حد زعمهم هم المعارضين يعني..
– الشيخ: ما أدري والله
– القارئ: فهم يقولون: أنتم تجسّمون..
– الشيخ: لا لا، … الشيخ هذا تقرير
– القارئ: المؤولة
– الشيخ: لا لا هذا تقرير هذا تقريره هو، يقول إنَّ هذه الآيات غاية مما يعني ما يستدلونَ به هذه الآيات وهذه الآيات إنّما يَدْلُلُنَ على نفي التّشبيهِ، نعم، أمّا التجسيم ما هم
– القارئ: أحسن الله إليكم، أمّا انتفاءُ يدٍ تليقُ بجلالهِ، فليسَ في الكلامِ ما يَدلُّ عليهِ بوجهٍ مِنَ الوجوه.
– الشيخ: تمام
– القارئ: وكذلكَ هلْ في العقلِ ما يَدلُّ دلالةً ظاهرةً على أنَّ الباري جلَّ وعلا لا يَدَ لهُ البتة؟ لا يداً تَليقُ بِجلالهِ، ولا يداً تُناسبُ المُحدثات، وهل فيهِ ما يَدلُّ على ذلكَ أصلاً، ولو بوجهٍ خَفي؟ فإذا لمْ يَكنْ في السّمعِ ولا في العقلِ ما يَنْفي حقيقةَ اليدِ البتة، وإنْ فُرضَ ما يُنافيها فإنّما هو مِنَ الوجوهِ الخفيّة عندَ مَنْ يَدّعيهِ وإلّا فَفي الحقيقةِ إنّما هو شُبْهةٌ فاسدة.
فهلْ يَجوزُ أنْ يَملأ الكتابَ والسُنّة مِنْ ذكرِ اليد، وأنَّ الله تعالى خَلقَ بيدهِ، وأنَّ يداهُ مَبْسوطتانِ، وأنَّ المُلكَ بيدهِ، وفي الحديثِ ما لا يُحْصى.
ثمَّ إنَّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- وأولى الأمرِ لا يُبيّنونَ للناسِ أنَّ هذا الكلام لا يُرادُ بهِ حقيقتهُ ولا ظاهرهُ، حتى يَنْشأ جَهْم ابن صفوان بعدَ انقراضِ عصر الصحابةِ رضي الله عنهم فَيُبيّنُ للنّاسِ ما نُزّلَ إليهم على نَبيّهم، ويَتْبَعهُ عليهِ بِشر بن غِياث ومَنْ سلكَ سَبيلهم مِنْ كلِّ مَغْمُوصٍ عليهِ بالنفاق.
وكيفَ يجوزُ أنْ يُعلّمنا نبيُّنا -عليه الصلاة والسلام- كلَّ شيءٍ حتى الخِرَاءَة، ويقول: (ما تَركتُ مِنْ شيءٍ يُقرّبكم إلى الجنّة إلّا وقَدْ حدَّثتُكم بهِ، ولا مِنْ شيءٍ يُبْعِدُكم عَنِ النّار إلّا وقَدْ حَدّثتُكم بهِ)، (تَرَكتُكُم على البيضاءِ، ليلُها كَنَهارِها، لا يَزيغُ عَنْها بعدي إلّا هالِك)، ثمَّ يَتْركُ الكتابَ المنزّل عليهِ، وسنَّتهُ الغراء مملوءةً ممّا يَزْعُمُ الخصمُ أنَّ ظاهرهُ..
– الشيخ: ممّا؟
– القارئ: ممّا يَزْعُمُ الخصمُ..
– الشيخ: لا، يدّعي الخصم، يدعي يدعي اقرأ
– القارئ: المثبت هنا "يزعم"
– الشيخ: اقرأ اقرأ بس
– القارئ: نعم، مِمّا يَدّعي الخصمُ أنَّ ظاهرهُ تَشْبيهٌ وتَجْسيم..
– الشيخ: أي، يدعي، غلط
– القارئ: نعم، أحسن الله إليكم، وأنَّ اعتقادَ ظاهرهِ ضلال، وهو لا يُبيّنُ ذلكَ ولا يوضّحه؟!
وكيفَ يجوزُ للسّلفِ أنْ يقولوا: أمِرُّوها كما جاءت مع أنَّ مَعْناها المجازي هو المرادُ، وهو شيءٌ لا يَفْهمهُ العرب، حتى يكونَ أبناءُ الفُرسِ والروم أعلمَ بلغةِ العربِ مِنْ أبناءِ المهاجرينَ والأنصار!
المقامُ الرابع.
– الشيخ: حسبك، جزاه الله خيرًا، رحمهُ الله.