بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح "بلوغ المرام مِن أدلّة الأحكام" (كتاب النّكاح)
الدّرس السّابع
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الحافظُ ابنُ حجرٍ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في (بلوغِ المرامِ) في تتمَّةِ كتابِ النِّكاحِ:
وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: «لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- الْمُحَلِّلَ وَالْمُحَلَّلَ لَهُ». رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَالنَّسَائِيُّ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَفِي الْبَابِ عَنْ عَلِيٍّ أَخْرَجَهُ الْأَرْبَعَةُ إلَّا النَّسَائِيُّ.
– الشيخ: عن عليٍّ، هذان الحديثان هما الدليل على تحريمِ التحليلِ وأنَّه من كبائرِ الذنوبِ، وأيُّ نكاحٍ محرَّمٍ إذا أقدمَ المرءُ عليهِ عالماً عاملاً فهو زنى، لكن يمكن يُدرَأُ عنه الحدُّ بالشُبهةِ، ففي هذا الحديث: لعن الله المُحَلِلْ وهو الّذي ينكحُ المرأةَ المُطلَّقة ثلاثاً المحرَّمة على زوجها ينكِحُها لا نكاح رغبة بل نكاح للتحليل.
وقد جاء في هذا الشأن هذا الحديث الآن وجاءت آثار عن الصحابة، ومنها أنّهم كانوا يسمون المُحَلِلْ التَيس التَيس المستعار يشبِّهونه بالتيس الّذي يؤتى به لينزوَ على العنز، تحقيراً له وتقبيح فهذا المُحلل يُؤتَى به ليطأَ المرأةَ من أجلِ أن يُحلِّلها أن تحلَّ لزوجها المُطَلِّق.
وهذا من الأنكحة الباطلة نكاح باطل ولا تحلُّ لا تحلُّ لأنَّه ليس بزوج الحقيقة ليس بزوج، الله تعالى يقول: فَإنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحلُ لَهُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيرَهُ.
والمُحَلَّلُ له هو الزوجُ إذا علمَ بذلك وتواطأَ مع الممُحلِّلِ، أمّا لو فُرِضَ لو فُرِضَ أنّه يعني الزوج ما درى، هذا تبرّع تبرّع وتزوَّجها ليُحِلَّها له يمكن عطفَ على زوجِها وعلمَ أنّه قد أسِفَ وقد عَظُمَ عليه فِراقُها، فتزوَّجَها ليُحِلَّها له هذا يُصبِحُ الزوجُ معذور لأنّه لم يعلم بحقيقة الحال، ولكن إنّما تحلُّ له اللعنةُ ويستحقُّ اللعنةَ إذا علم بذلك، وأعظمُ من ذلك إذا تواطأَ مع المُحَلِّلِ اتّفقَ معه على أن ينكحَها نكاحَ تحليلٍ.
وقد ذكر ابن القيّم هذه المسألة وأفاضَ في الكلامِ على حكمِ المحلِّلِ والتحليلِ وذكر الأحاديثَ والآثارَ الواردةَ في هذا، وذكرَ من من مساويه ومن وممّا يُقبِّحهُ شيئاً كثيراً في إغاثةِ اللهفانِ.
وقد فشى التحليلُ في وقته ذكرَ ابنُ القيّمِ يعني أنّه أنّه هناك صارَ ناس يُعِدُّون أنفسهم للتحليلِ والعياذُ باللهِ، يُعِدّون أنفسهم من يحتاج يجي لفلان أو فلان، وهذا المكان يأخذُ محلِّل يذهبُ به لهذه المطلّقة، نسألُ اللهَ العافيةَ.
ومن أسبابِ فشوِّ التحليلِ فشوِّ الطلاقِ الثلاثِ ومعَ تطبيقِ القولِ بأنّ الثلاثَ ثلاث، كثيراً ما يقعُ الطلاقُ من بعضِ الناسِ ثلاثاً كثيراً ما يُطَلِّقُ الناسُ ثلاثاً، فيقعون في ورطةٍ عظيمةٍ يطلّقُ امرأتَه الّتي يعني يحبُّها وله منها أولادٌ فيعظمُ عليه فراقُها، فيلجأُ إلى التحليلِ وليسَ بحلٍّ اللجوءُ للتحليلِ ليس بحلّ، ولا تحلّ.
– القارئ: أحسن الله إليكم، وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «لَا يَنْكِحُ الزَّانِي الْمَجْلُودُ إلَّا مِثْلَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُد، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ.
– الشيخ: لا ينكح الزاني المجلود الزاني الذي ظهر زناه إلّا مثله إلّا زانية زانية، كما قال تعالى: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ[النور:3]
فيحرمُ نكاح الزانية حرام إلّا إذا عُلِمَتْ توبتها فإنها تعود إلى إلى كرامتها وحرمتها ومنزلتها، أمّا الزانية والزاني كذلك لا يجوز تزويج الزاني المعروف بالزنا الّذي ظهر زناه ولم تُعرَفْ توبته.
الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ[النور:3] وهذا الحديث يدلُّ على ما دلَّت عليه الآية لا ينكح الزاني المجلود إلّا مثله إلّا زانية كذلك، نعم بعده.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم الآن ما يحصلُ الآنَ أن يعني رجلٌ يزني بامرأةٍ فيزوجونَهم؟
– الشيخ: يزوجونه يزوجونه يسمّونه للستر من أجلِ السترِ عليها ولا سيّما إذا حَمَلَتْ، وهذا ليسَ بحلٍّ نعم يجبُ عليهما التوبةُ وأمّا من أجلِ الحملِ وإلحاقِ نسبِه بالزاني فلا.
– القارئ: ما يلحقُ فيهِ.
– الشيخ: لا يُلحَقُ به على قولِ جمهور العلماء، نعم.
– القارئ: وَعَنْ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا- قَالَتْ: «طَلَّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا فَتَزَوَّجَهَا رَجُلٌ ثُمَّ طَلَّقَهَا قَبْلَ أَنْ يَدْخُلَ بِهَا، فَأَرَادَ زَوْجُهَا الْأَوَّلُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، فَسُئِلَ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَا، حَتَّى يَذُوقَ الْآخَرُ مِنْ عُسَيْلَتِهَا مَا ذَاقَ الْأَوَّلُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَاللَّفْظُ لِمُسْلِمٍ.
– الشيخ: لا إله إلّا الله لا إله إلّا الله، هذا الحديث كأنّه يشبه حديث المرأة الّتي جاءت تذكر للنبي عليه الصلاة والسلام أنّها يعني طلَّقها زوجها فلان ثمّ تزوّجها فلان فلان عبد الرحمن بن الزَبير وأنّ ما معه كذا مثل […..] الثوب، فقال عليه الصلاة والسلام: (أتريدين أن ترجعي تريدين أن ترجعي إلى رفاعة؟ لا حتى تذوقي عُسَيلَتَهُ ويذوقَ عُسَيلَتَكِ)، استُدِلَّ بهذا الحديث وغيره على أنّه لا يكفي في حِلِّ المطلقة ثلاثاً عقد النكاح، بل حتّى يطأها الزوج الثاني فلا تحلّ لمطلِّقها ثلاثاً حتّى تنكح أو تزوّج زواجاً صحيحاً ويطأها الزوج الثاني، فلا تحلّ للأوّل بمجرّد عقد النكاح.
ولهذا قوله تعالى: {حتّى تنكحَ} فسَّره أهل العلم عملاً بهذا الحديث فسّروه بالوطء حتّى يطأها، حتى تنكح زوجاً غيره، وهذا هو الّذي يحصل به التنفير من من التوسُّع والإكثار من الطلاق، فإنّ المُطَلِّق يشُقُّ عليه أن يتزوّجها آخر ويطأها، أمّا إذا كان مجرّد عقد لهانَ عليه الأمر عليه، قال: لا حتّى تذوقي عُسيلتهُ ويذوقُ عُسيلتَكِ.
فهذا هو الدليل وإمّا وأمّا فالأحاديث هذه مُفسِّرة للآية، وإلّا الآية مُجمَلة فيها: حتّى تنكح زوجاً غيره، النكاح في أكثر النصوص يُرادُ به عقد النكاح لكن بدلالة السُّنَّة عُلِمَ أن قوله: (حتّى تنكحَ) أنّ المراد به النكاح الوطء لا يكفي مجرّد العقد، نعم.
– القارئ: بابُ الكفاءةِ والخيارِ.
– الشيخ: حسبك يا أخي واقرأ ما أدري حديث حديث المُحلل لا بأس، لا ينكح لا ينكح الزاني المجلود إلّا مثله بس اقرأ شرحه.
– القارئ: قالَ البسَّامُ -رحمَهُ اللهُ-: ما يُؤخَذُ مِن الحديثِ.
– الشيخ: حديث لا ينكح الزاني المجلود؟
– القارئ: نعم أحسن الله إليكم.
1- النكاحُ لغةً: الوطءُ والعقدُ، وسُمِّي هنا ما يفعلُهُ المجلودُ نكاحًا مجازًا، لا حقيقةً؛ لأنَّهُ جُعِلَ طريقًا إلى الوطءِ.
2- فالراجحُ أنَّ المرادَ بالحديثِ هوَ تشنيعُ الزنا، وأنَّهُ لا يقعُ مِن رجلٍ عفيفٍ على امرأةٍ عفيفةٍ، وإنَّما يقعُ مِن رجلٍ عادتُهُ الزِّنا، على امرأةٍ مثلُهُ مسافحةٍ زانيةٍ.
3- وهذا المعنى في الحديثِ هوَ الراجحُ في معنى الآيةِ الكريمةِ: الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ [النور:3]
قالَ ابنُ كثيرٍ: هذا خبرٌ مِن اللهِ تعالى بأنَّ الزانيَ لا يطأُ إلاَّ زانيةً، أو مشركةً، أي: يطاوعُهُ على مرادِهِ مِن الزِّنا إلاَّ زانيةٌ عاصيةٌ، أو مشركةٌ لا ترى حرمةَ ذلكَ، وكذلكَ الزانيةُ: لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ أي: عاصٍ بزناهُ، أو مشركٌ لا يعتقدُ تحريمَهُ.
قالَ النوويُّ: عن حبيبٍ بنِ أبي عمرَ عن سعيدٍ بنِ جبيرٍ عن ابنِ عبّاسٍ: ليسَ هذا بالنكاحِ، وإنَّما هوَ الجماعُ، لا يزني إلاَّ زانٍ أو مشركٌ.
وهذا إسنادٌ صحيحٌ، وروى ابنُ أبي حاتمٍ بسندِهِ عن أبي هريرةَ قالَ: قالَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلّمَ-: "لا ينكحُ الزاني المجلود إلاَّ مثلَهُ".
وقالَ ابنُ جزِّيٍّ: معنى الآيةِ ذمُّ الزناةِ، وتشنيعُ الزِّنا، وأنَّهُ لا يقعُ فيهِ إلاَّ زانٍ أو مشركٌ، ولا يوافقُهُ عليهِ مِن النساءِ إلاَّ زانيةٌ أو مشركةٌ.
و "ينكحُ" على هذا بمعنى يجامعُ.
قالَ شيخُ الإِسلامِ: مِنْ أوَّلِ هذهِ الآيةِ إلى العقدِ، فبطلانُ قولِهِ ظاهرٌ.
4- وحملَ الحديثَ أكثرُ العلماءِ على معنى: أنَّ الزانيَ المجلودَ لا يرغبُ عقدَ زواجِهِ إلاَّ على مثلِهِ، وكذلكَ الزانيةُ، لا ترغبُ في الزواجِ إلاَّ مِن عاصٍ مثلُها.
يعني الحديثُ ليسَ فيهِ حكم يعني -أحسن الله إليك- يعني إخبار لكن الآن سيناقض نفسه الشيخ قال:
5- الَّذي يدلُّ عليهِ الحديثُ هو النَّهيُ عن ذلكَ.
نقضَ الكلامَ السابقَ.
لا الإخبارَ عن مجرَّدِ الرغبةِ، وأنَّهُ يحرمُ أنْ ينكحَ زانٍ عفيفةً، كما أنَّهُ يحرمُ أنْ تنكحَ.
– الشيخ: هذا هذا هو الظاهر لي من الحديث بأنّه قال: الزاني المجلود الزاني المجلود الّذي ظهرَ زناهُ، عُرِفَ أنّه زاني.
– القارئ: وفي الآيةِ: حُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.
– الشيخ: فلا يحلُّ نكاحَ الزانيةِ إلّا أن تتوبَ ولا يحلُّ تزويجُ الزاني الّذي عُرِفَ بالزنا إلّا أن يتوبَ، نعم.
– القارئ: وأنَّهُ يحرمُ أنْ ينكحَ زانٍ عفيفةً، كما أنَّهُ يحرمُ أنْ تنكحَ عفيفةٌ زانيًا، وصرَّحَ بالتحريمِ بقولِهِ تعالى: وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أي: كاملي الإيمانِ الَّذي هم ليسُوا بزناةٍ، فإنَّه "لا يزني الزاني.
– الشيخ: وحُرِّم ذلك على المؤمنين، وش قال تعقيب؟
– القارئ: أي: كاملي الإيمانِ الَّذي هم ليسُوا بزناةٍ، فإنَّه "لا يزني الزاني حينَ يزني وهوَ مؤمنٌ".
قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السعديُّ: الزاني لا يُقْدِمُ على نكاحِهِ مِن النساءِ إلاَّ أنثى زانيةٌ، يُناسبُ حالُهُ حالَها، أو مشركةٌ باللهِ، والزانيةٌ كذلكَ، لا ينكحُها إلاَّ زانٍ أو مشركٌ.
وهذا دليلٌ صريحٌ على تحريمِ نكاحِ الزانيةِ حتَّى تتوبَ، وكذلكَ إنكاحُ الزاني حتّى يتوبَ.
6- وقالَ في نيلِ المآربِ: وتحرمُ الزانيةُ على زانٍ وغيرِهِ حتَّى تتوبَ وتنقضيَ عدَّتَها.
– الشيخ: لأنّ اللهَ قال: {والمحصّنات} المحصّنات العفائف، اليوم أُحِلَّ لكم الطيّبات وطعامُ الّذينَ أوتوا الكتابَ حلٌّ لكم وطعامُكم حلٌّ لهم والمحصّناتُ مِن المؤمناتِ والمحصّنات هنّ حرائر العفائف، والمحصّنات من الّذين أوتوا الكتاب، يعني الحرائر العفائف العفيفات، نعم.
– القارئ: قالَ الشيخُ محمَّدٌ بنُ إبراهيمَ: لا يجوزُ زواجُهُ بامرأةٍ حاملٍ منهُ بالزنا، حتّى تقضيَ عدَّتَها بوضعِ حملِها.
قالَ شيخُ الإِسلامِ: نكاحُ الزانيةِ حرامٌ حتّى تتوبَ، سواءٌ كانَ زنى بها هوَ أو غيرُهُ، هذا هوَ الصوابُ بلا ريبٍ، وهوَ مذهبُ طائفةٍ مِن السلفِ والخلفِ، منهم أحمدُ بنُ حنبلٍ، وغيرُهُ، ويدلُّ عليهِ الكتابُ والسُّنَّةُ والاعتبارُ.
وإذا كانَتْ المرأةُ تزني، لم يكنْ لهُ أنْ يمسكَها على تلكَ الحالِ، بلْ يفارقُها، وإلاَّ كانَ ديوثاً؛ لاختلافِ المادَّتينِ، نجاسةً وطهارةً، وطيبًا وخُبْثًا، ولاختلافِ الوطءِ، حلالًا وحرامًا.
– الشيخ: جزاك الله خير، نعم يا محمّد.