الرئيسية/شروحات الكتب/الطرق الحكمية في السياسة الشرعية/(21) فصل الحكم بشهادة الرجل الواحد قوله “الطريق الثاني أن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(21) فصل الحكم بشهادة الرجل الواحد قوله “الطريق الثاني أن اليمين إنما شرعت في جانب المدعى عليه”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس الحادي العشرون

***    ***    ***    ***

 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، اللهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا ولوالدين والمسلمين. قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمهُ اللهُ تعالى-: "ولا زالَ الكلامُ في الذين ردُّوا هذه السنةَ لهم طرقٌ، وذكرَ الطريقَ الأولى" ثم قال:
الطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا شُرِعَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ فَلَا تُشْرَعُ فِي جَانِبِ الْمُدَّعِي، قَالُوا: وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-:
(الْبَيِّنَةُ عَلَى مَنْ ادَّعَى، وَالْيَمِينُ عَلَى مَنْ أَنْكَرَ)، فَجُعِلَ الْيَمينُ مِنْ جَانِبِ الْمُنْكِرِ، وَهَذِهِ الطَّرِيقَةُ ضَعِيفَةٌ جِدًّا مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: أَنَّ أَحَادِيثَ الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ أَصَحُّ وَأَصْرَحُ وأوضحُ وَأَشْهَرُ، وَهَذَا الْحَدِيثُ لَمْ يَرْوِهِ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ الْكُتُبِ السِّتَّةِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ لَوْ قَاوَمَهَا فِي الصِّحَّةِ وَالشُّهْرَةِ لَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا عَلَيْهِ لِخُصُوصِهَا وَعُمُومِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ الْيَمِينَ إنَّمَا كَانَتْ فِي جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، حَيْثُ لَمْ يَتَرَجَّحْ جَانِبُ الْمُدَّعِي بِشَيْءٍ غَيْرِ الدَّعْوَى، فَيَكُونُ جَانِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ أَوْلَى بِالْيَمِينِ؛ لِقُوَّتِهِ بِأَصْلِ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ، فَكَانَ هُوَ أَقْوَى الْمُتداعِيَيْنِ بِاسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ، فَكَانَتْ الْيَمِينُ مِنْ جِهَتِهِ.
فَإِذَا تَرَجَّحَ الْمُدَّعِي بِلَوثٍ أَوْ نُكُولٍ أَوْ شَاهِدٍ كَانَ أَوْلَى بِالْيَمِينِ؛ لِقُوَّةِ جَانِبِهِ بِذَلِكَ، فَالْيَمِينُ مَشْرُوعَةٌ فِي جَانِبِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ، فَأَيُّهُمَا قَوِيَ جَانِبُهُ شُرِعَتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ تقويةً وَتَأْكِيدًا؛ وَلِهَذَا لَمَّا قَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعِينَ بِاللَّوْثِ شُرِعَتْ الْأَيْمَانُ فِي جَانِبِهِمْ، وَلَمَّا قَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعِي بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ رُدَّتْ الْيَمِينُ عَلَيْهِ، كَمَا حَكَمَ بِهِ الصَّحَابَةُ، وَصَوَّبَهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ، وَقَالَ: مَا هُوَ بِبَعِيدٍ، يَحْلِفُ وَيَأْخُذُ.
وَلَمَّا قَوِيَ جَانِبُ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بِالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ: كَانَتْ الْيَمِينُ فِي حَقِّهِ وَكَذَلِكَ الْأُمَنَاءُ، كَالْمُودَعِ وَالْمُسْتَأْجِرِ وَالْوَكِيلِ وَالْوَصِيِّ: الْقَوْلُ قَوْلُهُمْ، وَيَحْلِفُونَ؛ لِقُوَّةِ جَانِبِهِمْ بِالْأَيْمَانِ. فَهَذِهِ قَاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ الْمُسْتَمِرَّةُ، فَإِذَا أَقَامَ الْمُدَّعِي شَاهِدًا وَاحِدًا قَوِيَ جَانِبُهُ، فَتَرَجَّحَ عَلَى جَانِبِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ الَّذِي لَيْسَ مَعَهُ إلَّا مُجَرَّدُ اسْتِصْحَابِ الْأَصْلِ، وَهُوَ دَلِيلٌ ضَعِيفٌ يُدْفَعُ بِكُلِّ دَلِيلٍ يُخَالِفُهُ، وَلِهَذَا يُدْفَعُ بِالنُّكُولِ وَالْيَمِينِ الْمَرْدُودَةِ وَاللوثِ وَالْقَرَائِنِ الظَّاهِرَةِ، فَرُفِعَ بِقَوْلِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَقَوِيَتْ شَهَادَتُهُ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي، فَأَيُّ قِيَاسٍ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا وأصحُّ؟ مَعَ مُوَافَقَتِهِ لِلنُّصُوصِ وَالْآثَارِ الَّتِي لَا تُدْفَعُ.
وَقَدْ ذَهَبَ طَائِفَةٌ مِنْ قُضَاةِ السَّلَفِ الْعَادِلِينَ إلَى الْحُكْمِ بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، إذَا عُلِمَ صِدْقُهُ مِنْ غَيْرِ يَمِينٍ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: رُوِّيْنَا عَنْ عَظِيمَيْنِ مِنْ قُضَاةِ أَهْلِ الْعِرَاقِ: شُرَيْحٌ، وَزُرَارَةُ بْنُ أَبِي أَوْفَى رَحِمَهُمَا اللَّهُ، أَنَّهُمَا قَضَيَا بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ وَاحِدٍ. وَلَا ذِكْرَ لِلْيَمِينِ فِي حَدِيثِهِمَا.
حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ جَمِيلٍ عَنْ شَرِيكٍ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ: أَجَازَ شُرَيْحٌ شَهَادَتِي وَحْدِي. قال: حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ، قَالَ: شَهِدَ أَبُو مِجْلَزٍ عِنْدَ زُرَارَةَ بْنِ أَبِي أَوْفَى، قَالَ أَبُو مِجْلَزٍ: فَأَجَازَ شَهَادَتِي وَحْدِي، وَلَمْ يُصِبْ. قُلْت: لَمْ يُصِبْ عِنْدَ أَبُو مِجْلَزٍ، وَإِلَّا فَإِذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ جَازَ لَهُ الْحُكْمُ بِشَهَادَتِهِ، وَإِنْ رَأَى تَقْوِيَتَهُ بِالْيَمِينِ فَعَلَ، وَإِلَّا فَلَيْسَ ذَلِكَ بِشَرْطٍ. وَالنَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- لَمَّا حَكَمَ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ لَمْ يَشْتَرِطْ الْيَمِينَ، بَلْ قَوَّى شَهَادَةَ الشَّاهِدِ. وَقَدْ قَالَ أَبُو دَاوُد فِي "السُّنَنِ": بَابٌ: إذَا عَلِمَ الْحَاكِمُ صِدْقَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ ثُمَّ سَاقَ حَدِيثَ خُزَيْمَةَ بْنِ ثَابِتٍ: (أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ابْتَاعَ فَرَسًا مِنْ أَعْرَابِيٍّ، فَأَسْرَعَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- الْمَشْيَ، وَأَبْطَأَ الْأَعْرَابِيُّ، فَطَفِقَ رِجَالٌ يَعْتَرِضُونَ الْأَعْرَابِيَّ، فَيُسَاوِمُونَهُ بِالْفَرَسِ، وَلَا يَشْعُرُونَ أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- ابْتَاعَهُ، فَنَادَى الْأَعْرَابِيُّ رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: إنْ كُنْتَ مُبْتَاعًا هَذَا الْفَرَسَ وَإِلَّا بِعْتُهُ، فَقَامَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- حِينَ سَمِعَ نِدَاءَ الْأَعْرَابِيِّ، فَقَالَ: أَوَلَيْسَ قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْك؟ قَالَ الْأَعْرَابِيُّ: لَا وَاَللَّهِ، مَا بِعْتُك، فَقَالَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: بَلَى قَدْ ابْتَعْتُهُ مِنْك. فَطَفِقَ الْأَعْرَابِيُّ يَقُولُ: هَلُمَّ شَهِيدًا، فَقَالَ خُزَيْمَةُ بْنُ ثَابِتٍ: أَنَا أَشْهَدُ أَنَّك قَدْ بَايَعْتَهُ. فَأَقْبَلَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عَلَى خُزَيْمَةَ، فَقَالَ: بِمَ تَشْهَدُ؟ قَالَ: بِتَصْدِيقِك يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَجَعَلَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- شَهَادَةَ خُزَيْمَةَ بِشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ) وَرَوَاهُ النَّسَائِيُّ.
وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عِدَّةُ فَوَائِدَ: مِنْهَا: جَوَازُ شِرَاءِ الْإِمَامِ الشَّيْءَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ رَعِيَّتِهِ. وَمِنْهَا: مُبَاشَرَتُهُ الشِّرَاءَ بِنَفْسِهِ. وَمِنْهَا: جَوَازُ الشِّرَاءِ مِمَّنْ يَجْهَلُ، وَلَا يَسْأَلُ مِنْ أَيْنَ لَك هَذَا. وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِشْهَادَ عَلَى الْبَيْعِ لَيْسَ بِلَازِمٍ. وَمِنْهَا: أَنَّ الْإِمَامَ إذَا تَيَقَّنَ مِنْ غَرِيمِهِ الْيَمِينَ الْكَاذِبَةَ لَمْ يَكُنْ لَهُ تَعْزِيرُهُ، إذْ هُوَ غَرِيمُهُ. وَمِنْهَا: الِاكْتِفَاءُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ إذَا عَلِمَ صِدْقَهُ؛ فَإِنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- مَا قَالَ لِخُزَيْمَةَ: أَحْتَاجُ مَعَك إلَى شَاهِدٍ آخَرَ، وَجَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَهَادَتَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تَضَمَّنَتْ شَهَادَتَهُ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- بِالصِّدْقِ الْعَامِّ فِيمَا يُخْبِرُ بِهِ عَنْ اللَّهِ، وَالْمُؤْمِنُونَ مِثْلُهُ فِي هَذِهِ الشَّهَادَةِ.
وَانْفَرَدَ خُزَيْمَةُ بِشَهَادَتِهِ لَهُ بِعَقْدِ التَّبَايُعِ مَعَ الْأَعْرَابِيِّ دُونَ الْحَاضِرِينَ؛ لِدُخُولِ هَذَا الْخَبَرِ فِي جُمْلَةِ الْأَخْبَارِ الَّتِي يَجِبُ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ تَصْدِيقُهُ فِيهَا، وَتَصْدِيقُهُ فِيهَا مِنْ لَوَازِمِ الْإِيمَانِ، وَهِيَ الشَّهَادَةُ الَّتِي تَخْتَصُّ بِهَذِهِ الدَّعْوَى، وَقَدْ قَبِلَهَا مِنْهُ وَحْدَهُ، وَالْحَدِيثُ صَرِيحٌ فِيمَا تَرْجَمَ عَلَيْهِ أَبُو دَاوُد -رَحِمَهُ اللَّهُ -.
وَلَيْسَ هَذَا الْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مَخْصُوصًا بِخُزَيْمَةَ، دُونَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنْهُ أَوْ مِثْلُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ، فَلَوْ شَهِدَ أَبُو بَكْرٍ وَحْدَهُ، أَوْ عُمَرُ أَوْ عُثْمَانُ أَوْ عَلِيٌّ أَوْ أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ لَكَانَ أَوْلَى بِالْحُكْمِ بِشَهَادَتِهِ وَحْدَهُ. وَالْأَمْرُ الَّذِي لِأَجْلِهِ جَعَلَ شَهَادَتَهُ بِشَاهِدَيْنِ مَوْجُودٌ فِي غَيْرِهِ، وَلَكِنَّهُ أَقَامَ الشَّهَادَةَ وَأَمْسَكَ عَنْهَا غَيْرُهُ، وَبَادَرَ هُوَ إلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ، إذْ ذَلِكَ مِنْ مُوجِبَاتِ تَصْدِيقِهِ لِرَسُولِ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-.
وَقَدْ قَبِلَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- شَهَادَةَ الْأَعْرَابِيِّ وَحْدَهُ عَلَى رُؤْيَةِ هِلَالِ رَمَضَانَ، وَتَسْمِيَةُ بَعْضِ الْفُقَهَاءِ ذَلِكَ إخْبَارًا، لَا شَهَادَةً: أَمْرٌ لَفْظِيٌّ لَا يَقْدَحُ فِي الِاسْتِدْلَالِ، وَلَفْظُ الْحَدِيثِ يَرُدُّ قَوْلَهُ. وَأَجَازَ الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ فِي قَضِيَّةِ السَّلْبِ، وَلَمْ يُطَالِبْ الْقَائِلَ بِشَاهِدٍ آخَرَ، وَلَا اسْتَحْلَفَهُ، وَهَذِهِ الْقِصَّةُ صَرِيحَةٌ فِي ذَلِكَ، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" عَنْ أَبِي قَتَادَةَ قَالَ: (خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فِي عَامِ خيبر، فَلَمَّا الْتَقَيْنَا كَانَتْ لِلْمُسْلِمِينَ جَوْلَةٌ، قَالَ: فَرَأَيْت رَجُلًا مِنْ الْمُشْرِكِينَ قَدْ عَلَا رَجُلًا مِنْ الْمُسْلِمِينَ، فَاسْتَدَرْتُ لَهُ حَتَّى أَتَيْتَهُ مِنْ وَرَائِهِ، فَضَرَبْته بِالسَّيْفِ عَلَى حَبْلِ عَاتِقِهِ، فَأَقْبَلَ عَلَيَّ فَضَمَّنِي ضَمَّةً وَجَدْت مِنْهَا رِيحَ الْمَوْتِ، ثُمَّ أَدْرَكَهُ الْمَوْتُ، فَأَرْسَلَنِي. فَلَحِقْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ، فَقُلْت: مَا بَالُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَمْرُ اللَّهِ، ثُمَّ إنَّ النَّاسَ رَجَعُوا، وَجَلَسَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَقَالَ: مَنْ قَتَلَ قَتِيلًا لَهُ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ فَلَهُ سَلَبُهُ. قَالَ: فَقُمْت، ثُمَّ قُلْت: مَنْ يَشْهَدُ لِي؟ ثُمَّ جَلَسْت، ثُمَّ قَالَ الثَّالِثَةَ مِثْلَهُ، فَقُمْت. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: مَا لَك يَا أَبَا قَتَادَةَ؟ فَقَصَصْت عَلَيْهِ الْقِصَّةَ، فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ: صَدَقَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَسَلَبُ ذَلِكَ الْقَتِيلِ عِنْدِي فَأَرْضِهِ عَنِّي، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ: لَاهَا اللَّهِ إذًا لَا يَعْمِدُ إلَى أَسَدٍ مِنْ أُسْدِ اللَّهِ يُقَاتِلُ عَنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَيُعْطِيك سَلَبَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: صَدَقَ. فَأَعْطِهِ إيَّاهُ. قَالَ أَبُو قَتَادَةَ: فَأَعْطَانِيهِ. فَبِعْت الدِّرْعَ، فَابْتَعْت بِهِ مَخْرَفًا فِي بَنِي سَلِمَةَ، فَإِنَّهُ لَأَوَّلُ مَالٍ تَأَثَّلْتُهُ فِي الْإِسْلَامِ).
وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْبَيِّنَةَ تُطْلَقُ عَلَى الشَّاهِدِ الْوَاحِدِ، وَلَمْ يَسْتَحْلِفْهُ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- وَهَذَا أَحَدُ الْوُجُوهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، وَهُوَ الصَّوَابُ: أَنَّهُ يُقْضَى لَهُ بِالسَّلَبِ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ، وَلَا مُعَارِضَ لِهَذِهِ السُّنَّةِ، وَلَا مُسَوِّغَ لِتَرْكِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قَبِلَ النَّبِيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ فِي الرَّضَاعِ، وَقَدْ شَهِدَتْ عَلَى فِعْلِ نَفْسِهَا، فَفِي "الصَّحِيحَيْنِ" (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ: أَنَّهُ تَزَوَّجَ أُمَّ يَحْيَى بِنْتَ أَبِي إهَابٍ، فَجَاءَتْ أَمَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا، فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- فَأَعْرَضَ عَنِّي، قَالَ: فَتَنَحَّيْت، فَذَكَرْت ذَلِكَ لَهُ قَالَ: فَكَيْفَ؟ وَقَدْ زَعَمَتْ أَنْ قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا). وَقَدْ نَصَّ أَحْمَدُ عَلَى ذَلِكَ فِي رِوَايَةِ بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِيهِ، قَالَ فِي الْمَرْأَةِ تَشْهَدُ عَلَى مَا لَا يَحْضُرُهُ الرِّجَالُ مِنْ إثْبَاتِ اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ، وَفِي الْحَمَّامِ يَدْخُلُهُ النِّسَاءُ، فَتَكُونُ بَيْنَهُنَّ جِرَاحَاتٌ. وَقَالَ إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ: قُلْت لِأَحْمَدَ فِي شَهَادَةِ الِاسْتِهْلَالِ: تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ فِي الْحَيْضِ وَالْعُذْرَةِ وَالسِّقْطِ وَالْحَمَّامِ، وَكُلُّ مَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ؟ فَقَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ امْرَأَةٍ إذَا كَانَتْ ثِقَةً.
فَصْلٌ:

– الشيخ: إلى هنا باركَ اللهُ فيك، نعم يا محمد.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات