الرئيسية/شروحات الكتب/الرد على المنطقيين/(11) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “الحدود المفصلة”

(11) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “الحدود المفصلة”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس الحادي عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ:
بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ شيخُ الإسلامِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- ثمَّ قالَ -إنَّه ينقلُ الآنَ عن الغزاليِّ-: الفنُّ الثاني
– الشيخ: يقول في "الإحياء" ولا [أم] أين؟
– القارئ: ما ميَّزَ الكتاب
– الشيخ: ما في تعليق؟
– القارئ: لا، بس..
– الشيخ: طيّب، تبيّن تبيّن، بعده، الفن الثاني.
– القارئ: الفنُّ الثَّاني: في الحدودِ المفصّلةِ:
اعلمْ أنَّ الأشياءَ الَّتي يمكنُ تحديدُها لا نهايةَ لها.

– الشيخ: اللهُ أكبرُ، أنَّ الأشياءَ الَّتي يمكنُ تحديدُها لا نهايةَ لها، نعم.
– القارئ: لأنَّ العلومَ التَّصديقيَّةَ غيرُ.
– الشيخ: في [يوجد] التَّصديقيّة عندهم وعندهم التّصوريّة، التَّصوريَّة تتعلَّق بالمفرداتِ والتَّصديقيَّة تتعلَّق بالنسبِ، نسبةُ الفعلِ إلى الفاعلِ هذا من بابِ التصديقِ، أنَّ العلومَ أيش؟ التَّصديقيَّة أيش بعده؟
– القارئ: قالَ: لأنَّ العلومَ التَّصديقيَّةَ غيرُ متناهيةٍ
– الشيخ: لا إله إلَّا الله، نعم بعده
– القارئ: وهي تابعةٌ للتَّصوُّراتِ
– الشيخ: وهي تابعةٌ للتصوُّرات؟
– القارئ: نعم، وأقلُّ ما يشتملُ عليهِ التَّصديقُ تصوُّرانِ
– الشيخ: تصوُّران، تصوُّرُ المحمولِ والموضوعِ يقولون، المسندُ والمسندُ إليه، وأقلُّ.
– القارئ: وأقلُّ ما يشتملُ عليهِ التَّصديقُ تصوُّرانِ وعلى الجملةِ فكلُّ ما لهُ اسمٌ يمكنُ تحريرُ حدِّهِ ورسمِهِ أو شرحُ اسمِهِ، وإذا لم يكنْ في الاستقصاءِ مطمعٌ فالأولى الاستقصارُ على القوانينِ المعروفةِ لطريقِهِ.
– الشيخ: الاستقصارُ بدلَ الاستقصاءِ، نعم.
– القارئ: وقد حصلَ ذلكَ بالفنِّ الأوَّلِ.
ولكنَّا أوردْنا حدوداً مفصَّلةً لفائدتينِ.
إمَّا إحداهما: أنْ تحصلَ الدُّربةُ بكيفيَّةِ تحريرِ الحدِّ وتأليفِهِ، فإنَّ الامتحانَ والممارسةَ للشَّيءِ يفيدُ قوَّةً عليهِ لا محالةَ.
الثانيةُ: أنْ يقعَ الاطِّلاعُ على معاني أسماءٍ أطلقَها الفلاسفةُ وقد أوردْناها في كتابِ تهافتِ الفلاسفةِ، إذْ لم يمكنْ مناظرتُهم إلَّا بلغتِهم وعلى حكمِ اصطلاحِهم، وإذا لم نفهمْ ما أوردْناهُ من اصطلاحِهم لا يمكنُ مناظرتُهم، فقد أوردْنا حدودَ ألفاظٍ أطلقُوها في الإلهيَّاتِ، والطبيعيَّاتِ، وشيءٍ قليلٍ من الرياضياتِ، فلتُؤخَذْ هذه الحدودُ على أنَّها شرحُ ما شرحُوهُ هو كما شرحُوه.

– الشيخ: أنَّ ما شرحوه هو كما.
[انقطاع بالصوت والنقص في المتن هو: اعتقدَ حداً وإلَّا اعتقدَ شرحاً للاسمِ.
كما يقالُ: حدُّ "الجنيِّ": حيوانٌ هوائيٌّ ناطقٌ مشفِ الجرمَ مِن شأنِه أنْ يتشكّلَ بأشكالٍ مختلفةٍ، فيكونُ هذا شرحاً للاسمِ في تفاهُمِ النَّاسِ، فأمَّا وجودُ هذا الشيءِ على هذا الوجهِ فيُعرَفُ بالبرهانِ، فإنْ دلَّ على وجودِهِ كانَ حداً بحسبِ الذَّاتِ، وإن لم يدلَّ عليهِ بل دلَّ على أنَّ الجنيَّ المرادَ بهِ في الشرعِ موجودٌ آخرُ كانَ هذا شرحاً للاسمِ في تفاهمِ الناسِ.
وكما تقولُ في حدِّ الخلاءِ: أنَّه بعدُ يمكنُ أنْ يفرضَ فيه أبعاداً ثلاثةً قائمٌ لا في مادةٍ من شأنِه أن يملأَه جسمٌ ويخلو عنه، وربَّما دلَّ الدليلُ على أنَّ ذلك محالٌ، فيُؤخَذُ على أنَّه شرحٌ للاسمِ في إطلاقِ النظارِ.
وإنَّما قدَّمْنا هذهِ المقدِّمةَ ليُعلَمَ أنَّ ما نوردُهُ من الحدودِ شرحٌ لما أرادَه الفلاسفةُ بالإطلاقِ، لا حكمٌ بأنَّ ما ذكرُوه كما ذكرُوه فإنَّ ذلك ممَّا يتوقَّفُ على ما يوجبُهُ البرهانُ".
الردُّ على كلامِ الغزاليِّ:
قلْتُ: ما ذكرَه من صعوبةِ الحدِّ على الشروطِ الَّتي ذكرَها حقٌّ لو كانَ المقصودُ بالحدِّ]

– القارئ: التصويرُ الحدود كما يدَّعون [انقطاع في الصوت]
– الشيخ: طيِّب …
– القارئ: كما يدَّعونَهُ وكانَ ذلكَ ممكناً، لكنَّ ما ذكرُوهُ في الحدِّ باطلٌ، فإنَّهُ يمتنعُ أن يحصلَ بمجرَّدِ الحدِّ تصوُّرُ المحدودِ، وما ذكرُوهُ مِن الفرقِ بينَ الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ المقوَّمةِ الدَّاخلةِ في الماهيَّةِ والصِّفاتِ الخارجةِ اللَّازمةِ أمرٌ باطلٌ لا حقيقةَ لهُ
– الشيخ: أعد أعد
– القارئ: وما ذكرُوهُ من الفرقِ بينَ الصِّفاتِ الذَّاتيَّةِ المقوِّمة
– الشيخ: المقوِّمة للذاتِ.
– القارئ: الدَّاخلةِ في الماهيَّةِ، والصِّفاتِ الخارجةِ اللازمةِ أمرٌ باطلٌ لا حقيقةَ لهُ، وما أوجبُوهُ من ذكرِ الصفتينِ في الحدودِ هو ممَّا يحظرُهُ المتكلِّمونَ، فيمتنعونَ منه في الحدِّ، والتَّحقيقُ أنَّه لا واجبَ ولا محظورَ كما قد بيَّنَّاهُ في موضعٍ آخرَ، وكلُّ ما يذكرونَهُ من الحدودِ فإنَّما يفيدُ التَّمييزَ، وإذا كانَ لا يحصلُ بالحدِّ إلَّا التَّمييزُ، فالتَّمييزُ قد يحصلُ بالفصلِ والخاصَّةِ، فعُلِمَ أنَّ طريقةَ المتكلِّمينَ أسدُّ في تحصيلِ المقصودِ الصَّحيحِ بالحدودِ.
وأمَّا قولُهُ: "إنَّ ذلكَ في غايةِ البعدِ عن غرضِ التَّعريفِ لذاتِ المحدودِ" فيُقالُ: وكذلكَ سائرُ الحدودِ، هي غيرُ محصَّلةٍ لتصويرِ ذاتِ المحدودِ، كما سنبيِّنُهُ إنْ شاءَ اللهُ تعالى.

– الشيخ: إن شاء الله، زين.
– القارئ: وما ذكرَهُ من الوجوهِ حجَّةٌ عليهم.
فإنَّ ما ذكرَهُ مِن لزومِ أخذِ الجنسِ القريبِ أمرٌ اصطلاحيٌّ، وذلكَ أنَّهُ إذا أخذَ البعيدُ كانَ الفصلُ يدلُّ على القريبِ بالتَّضمُّن أو الالتزامِ كدلالةِ القريبِ على البعيدِ، فالنَّاطقُ عندَهم يدلُّ على الحيوانِ، والمسكرُ على الشَّرابِ، كما يدلُّ الحيوانُ على الجسمِ، وكما يدلُّ الشَّرابُ على المائعِ، سواءً جعلُوا هذهِ دلالةً تضمنُ أو التزاماً، فإنْ كانُوا يكتفونَ بمثلِ هذهِ الدَّلالةِ كانَ الفصلُ كافياً، وإنْ كانُوا لا يكتفونَ إلَّا بما يدلُّ على الذاتيَّاتِ بالمطابقةِ، لم يكنْ ذكرُ الجنسِ القريبِ وحدَهُ كافياً.
فإذا قالَ: مائعٌ مُسكِرٌ كانَ لفظُ "المُسكِرِ" يدلُّ على أنَّهُ الشَّرابُ، فإنَّ المسكرَ ههنا أخصُّ عندَهم من الشَّرابِ ومن المائعِ، وهو فصلٌ كالنَّاطقِ للإنسانِ، ومعلومٌ حينئذٍ أنَّ كلَّ مسكرٍ شرابٌ، كما أنَّ.

– الشيخ: أنَّ كلَّ مسكرٍ شرابٌ، أي.
– القارئ: كما أنَّ كلَّ ناطقٍ حيوانٌ، كما أنَّهُ إذا قيلَ في الإنسانِ جسمٌ ناطقٌ فالنَّاطقُ عندَهم أخصُّ من الجسمِ ومن الحيوانِ، وهو يدلُّ على الحيوانِ بالتَّضمُّنِ أو الالتزامِ، ودلَّ لفظُ المائعِ على الجنسِ البعيدِ بمطابقةِ.
وإذا قالَ: شرابٌ مُسكِرٌ دلَّ قولُهُ: "شرابٌ" على أنَّه مائعٌ بالتَّضمُّنِ أو الالتزامِ عندَهم ودلَّ على الجنسِ القريبِ بالمطابقةِ، فصارَ الفرقُ بينَهما أنَّه تارةً يدلُّ على الجنسِ البعيدِ بالمطابقةِ والقريبِ بالتَّضمُّنِ، وتارةً بالعكسِ.
فإذا قالُوا: الأحسنُ أنْ يدلَّ على القريبِ بالمطابقةِ؛ لأنَّهُ أخصُّ بالمحدودِ، وكلَّما كانَ أخصَّ كانَ أكثرَ تمييزاً، قيلَ: ليسَ في ذلكَ اختصاصُ أحدِ الحدَّينِ بتصويرِ الماهيَّةِ دونَ الأخرى، بلْ بأنَّه أتمُّ تمييزاً.
وهذا تكلُّمٌ على المعنى الَّذي ذكرَهُ في حدِّ الخمرِ بحسبِ ما قالَهُ، فالخمرُ اسمٌ للمسكرِ عندَ الشَّارعِ، سواءٌ كانَ مائعاً أو جامداً طعاماً أو شرباً، كما قالَ النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: "كلُّ مُسكِرٍ خمرٌ" فلو كانَ الخمرُ جامدةً وأكلَها كانَتْ خمراً باتِّفاقِ المسلمينَ.
وأمَّا الوجهُ الثَّاني: فقولُهُ: "اللَّازُم الَّذي لا يفارقُ في الوجودِ والوهمِ يشتبهُ بالذَّاتيِّ غايةَ الاشتباهِ" كلامٌ صحيحٌ، بل ليسَ بينَهما في الحقيقةِ فرقٌ إلَّا بمجرَّدِ الوضعِ والاصطلاحِ، كما قد بُيِّنَ في غيرِ هذا الموضعِ، وبُيِّنَ أنَّهم في هذا الوضعِ المنطقيِّ والاصطلاحِ المنطقيِّ فرَّقُوا بينَ المتماثلينِ، وسوَّوا بينَ المختلفينِ، وهذا وضعٌ مخالفٌ لصريحِ العقلِ وهو أصلُ صناعةِ.

– الشيخ: قفْ على هذا بس [فقط] الوجه، الوجه الثاني؟
– القارئ: نعم.
– الشيخ: خليك عنده، وإن شاء الله.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليك.
 

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة