الرئيسية/شروحات الكتب/الرد على المنطقيين/(12) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “اللازم الذي لا يفارق في الوجود والوهم”

(12) هل يمكن تصور الأشياء بالحدود قوله “اللازم الذي لا يفارق في الوجود والوهم”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الرَّد على المنطقيين) لشيخ الإسلام ابن تيميَّة
الدّرس الثّاني عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قالَ شيخُ الإسلامِ -رحمَه اللهُ تعالى- في سياقِ مناقشةِ كلامِ الغزاليّ:
وأمَّا الوجهُ الثاني: فقولُهُ: "اللازمُ الذي لا يُفارِقُ في الوجودِ والوهمِ، يشتبُه بالذاتِ غايةَ الاشتباهِ

– الشيخ: يشتبهُ بالذاتيِّ
– القارئ: نعم.
كلامٌ صحيحٌ بلْ ليسَ بينهَمُا في الحقيقةِ فرقٌ إلا بمجردِ الوضعِ والاصطلاحِ كَمَا قَدْ بُيَّنَ في غيرِ هذا الموضعِ وبُيَّنَ أنهم في هذا الوضعِ المنطقيِّ والاصطلاحِ المنطقيِّ فرَّقوا بينَ المتماثلينِ وسَوَّوا بينَ المختلفينِ.
وهذا وضعٌ مخالفٌ لصريحِ العقلِ وهوَ أصلُ صناعةِ الحدودِ الحقيقيةِ عندَهم فتكونُ صناعةً باطلةً إذْ الفرقُ بينَ الحقائقِ لا يكونُ بمجرَّدِ أمرٍ وضعيٍّ بَلْ بما هِيَ عليهِ الحقائقُ في نفسِها وليسَ بينَ ما سَمَّوْهُ ذاتياً وما سَمَّوْهُ لازماً للماهيَّةِ في الوجودِ والذِّهنِ فرقٌ حقيقيٌّ في الخارجِ

– الشيخ: والذِّهنِ؟
– القارئ: نعم، فرقٌ حقيقيٌ
– الشيخ: كأنَّ هذا اللي [الذي] قلت في الجملة السابقة، الوهم، عندك الوهم اللي راحت؟
– القارئ: في كلامِ الغزالي؟
– الشيخ: أي الوهم.
– القارئ: نعم، يقول: في الوجودِ والوهمِ.
– الشيخ: يمكن إما أنه خطأ ولا يريد الوهم الذهني، مش مش …
– القارئ: وإنَّما هِيَ فروقٌ اعتباريةٌ تَتْبَعُ الوضعَ واختيارَ الواضِعِ وما يفرضُهُ في ذهنِهِ، وهذا قَدْ بسطنْاهُ في غيرِ هذا الموضعِ وذكرنَا ألفاظَ أئمَّتِهم في هذا الموضعِ وتفسيرَها.
وإنَّ حاصلَ ما عندَهم أنَّ ما يسمونَهُ ماهيةً: هِيَ ما يتصورُهُ الذِّهنُ، فإنَّ أجزاءَ الماهيةِ هِيَ تلكَ الأمورُ المتصورةُ فإذا تَصوَّرَ جسماً نامياً حسَّاساً متحركاً بالإرادةِ ناطقاً أو ضاحكاً كانَ كلُّ جزءٍ مِنْ هذهِ الأجزاءِ المعنى المتصوَّر، وكانَ داخلاً في هذا التصورِ، وإنْ تصوَّرَ حيواناً ناطقاً كانَ أيضاً كلٌّ منهما جزءاً مما تصوَّرَهُ داخلاً فيه، وكانَ ما يَلزمُ هذهِ الصورةَ الذهنيةَ، مثلَ كونِهِ حيَّاً وحسَّاساً ونامياً هوَ لازماً لهذا المتصوَّرِ في الذهنِ، فالماهيةُ بمنزلةِ المدلولِ عليهِ بالمطابَقَةِ. وجزؤُها المقوِّمُ لها

– الشيخ: وجزؤُها.
– القارئ: الداخلُ فيها الذي هوَ وصفٌ ذاتيٌّ لها بمنزلةِ المدلولِ عليهِ بالتضمُّنِ، واللازمُ لها الخارجُ عنها بمنزلةِ المدلولِ عليهِ بالالتزامِ، ومعلومٌ أنَّ هذا أمرٌ يتبعُ ما يتصوُّرُهُ الإنسانُ، سواءً كانَ مطابقاً أو غيرَ مطابقٍ ليسَ هوَ تابعٌ للحقائقِ في نفسِها.
وأصلُ غلطِ هؤلاءِ أنَّهُ اشتبَهَ عليهِم ما في الأذهانِ بما في الأعيانِ، فالإنسانُ إذا حَدَّ شيئاً كالإنسانِ مثلاً بمَنْ هُوَ جسمٌ حساسٌ نامٍ متحرِّكٌ بالإرادةِ ناطقٌ كانَ هذا القولُ له لفظٌ ومعنى، فكلُّ لفظٍ مِنْ ألفاظِهِ لَهُ معنىً من هذهِ المعاني جزءُ هذا الكلامِ.
وأمَّا قولُهُ في الثالثِ: "إنَّهُ يُشترطُ جميعَ الفصولِ" فهذا كاشتراطِ الجنسِ، وليسَ في ذلكَ ما يفيدُ تصويرَ الماهيَّةِ، وأمَّا التمييزُ فيحصلُ بدونِ ذلكَ، وهذا أمرٌ وضعيٌّ، والمتكلمونَ قد اتفقوا على أنَّه لا يجوزُ الجمعُ بينَ وصفينِ متساويينِ في العمومِ والخصوصِ ضدَّ ما يوجبُهُ هؤلاء، فلا يُجمعُ بين فصلينِ، وهذا كما إذا حُدَّ الحيوانُ بأنَّهُ جِسْمٌ نامٍ حساسٌ متحركٌ بالإرادةِ، فالحساسُ والمتحركُ بالإرادةِ فصلانِ، والمنطقيونَ يوجبونَ ذِكرَهُما والمتكلمونَ يمنعونَ من ذِكرِهما جميعاً

– الشيخ: فالمناطقة
– القارئ: يوجبونَ ذكرَهُما
– الشيخ: يوجبونَ ذكرَهُما
– القارئ: والمتكلمونَ يمنعونَ من ذكرِهما جميعاً ويأمرونَ بالاقتصارِ على أحدِهما.
وأمَّا الوجهُ الرابعُ: فإنَّه من جنسِ أخذِ الجنسِ البعيدِ بدلَ القريبِ، فإنَّ تقسيمَ الجنسِ بالفصولِ الآخرية دونَ الأوليةِ مثلُ تقويمِ النوعِ بالأجناسِ الأوليةِ دونَ الآخريَّةِ.
وقولُه: "رعايةُ الترتيبِ في هذهِ الأمورِ شرطٌ للوفاءِ بصناعةِ الحدِّ وهوَ في غايةِ العُسْرِ" فيقالَ:
هذهِ صناعةٌ وضعيةٌ اصطلاحيةٌ ليستْ من الأمورِ الحقيقةِ العلميةِ، وهيَ معَ ذلكَ مخالفةٌ لصريحِ العقلِ، ولِما عليهِ الوجودُ في مواضعَ فتكونُ باطلةً، ليستْ من الأوضاعِ المجرَّدةِ كوضعِ أسماءِ الأعلامِ، فإنَّ تلكَ فيها منفعةٌ وهيَ لا تخالِفُ عقلاً ولا وجوداً، وأمَّا وضعُهم فمخالفٌ لصريحِ العقلِ والوجودِ، ولو كانَ وضعاً مجرداً لمْ يكنْ ميزاناً للعلومِ والحقائقِ، فإنَّ الأمورَ الحقيقيةَ العلميةَ لا تختلفُ باختلافِ الأوضاعِ والاصطلاحاتِ، كالمعرفةِ بصفاتِ الأشياءِ وحقائقِها، فالعلمُ بأنَّ الشيءَ حيٌّ أو عالمٌ أو قادرٌ أو مريدٌ أو متحرِّكٌ أو ساكنٌ أو حسّاسٌ أو غيرُ حسّاسٍ ليسَ هو من الصناعاتِ الوضعيةِ، بلْ هوَ من الأمورِ الحقيقيةِ الفطريةِ التي فَطَرَ اللهُ -تعالى- عبادَه عليها، كما فطرَهم على أنواعِ الإراداتِ الصحيحةِ والحركاتِ المستقيمةِ.
لاسيَّما وهؤلاءِ يقولونَ: أنَّ المنطقَ ميزانُ العلومِ العقليةِ ومراعاتُهُ تعصِمُ الذهنَ عَن أنْ يغلطَ في فكرِهِ، كما أنَّ العَروضَ ميزانُ الشِّعرِ، والنّحوُ والتصريفُ ميزانُ الألفاظِ العربيةِ المركبةِ والمفردةِ، وآلاتُ المواقيتِ موازينٌ لها.
ولكنْ ليسَ الأمرُ كذلكَ، فإنَّ العلومَ العقليةَ تُعلَمُ بما فطرَ اللهُ عليهِ بنيْ آدمَ مِن أسبابِ الإدراكِ، لا تقفُ على ميزانٍ وضعيٍ لشخصٍ معينٍ، ولا يُقَلِّدُ في العقلياتِ أحدٌ بخلافِ العربيةِ فإنَّها عادةٌ لقومٍ لا تُعرفُ إلا بالسماعِ، وقوانينُها لا تُعرفُ إلا بالاستقراءِ، بخلافِ ما به يُعرفُ مقاديرُ الـمَكِيلاتِ والموزوناتِ والمزروعاتِ والمعدوداتِ فإنَّها تفتقرُ

– الشيخ: أيش يقول؟
– القارئ: يقول: بخلافِ ما به يُعرفُ مقاديرُ الـمَكِيلاتِ والموزوناتِ والمزروعاتِ
– الشيخ: والمز..؟
– القارئ: المزروعاتِ
– الشيخ: وش هي؟ ذال ولّا زاي؟
– القارئ: زاي
– الشيخ: لا
– طالب: لا، الـمـَذروعات.

– الشيخ: لا، الـمـَذروعات، مَذروعات.
– القارئ: نعم.
– الشيخ: موزون، ومَكيل، مَكيلات وش بعد؟ ومَوزونات ومَذروعات.
– القارئ: نعم، أحسن الله إليك، والمذروعاتِ والمعدوداتِ فإنَّها تفتقرُ إلى ذلكَ غالباً لكنْ تعيينُ ما بِه يُكالُ ويُوزنُ بقدرٍ مخصوصٍ أمرٌ عاديٌّ كعادةِ الناسِ في اللغاتِ.
وقدْ تنازعَ علماءُ المسلمينَ في مُسمَّى الدِّرهمِ والدِّينارِ هلْ هوَ مُقَدرٌ بالشرعِ أو المرجعُ فيهِ إلى العُرفِ؟

– الشيخ: قف على هذا.
– القارئ: أحسن الله إليك.
– الشيخ: مسألة فقهية، خلها
– القارئ: نعم أحسن الله إليك
– الشيخ: نعم
– طالب: هذا بحث منطقي يا شيخ؟

– الشيخ: أي مناقشات، رحمه الله.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة