بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (تحفة المودود في أحكام المولود) للإمام ابن القيّم
الدّرس الثّالث والثّلاثون
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللّهِ الرحمنِ الرحيمِ، اللّهمَّ اغفرْ لنَا ولشيخنَا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الإمامُ ابنُ القيِّمِ -رحمهُ اللّهُ تعالى- في كتابِهِ "تحفةُ المودودِ بأحكامِ المولودِ":
الْفَصْل الثَّامِن: فِي جَوَازِ التَّسْمِيَة بِأَكْثَرَ من اسْم وَاحِد.
– الشيخ: اللّه المستعان، يمكن نقول: أنَّ المقدَّم في هذا، وأكثرُ مَن ينطبقُ عليه الوصف الرسولُ، فالرسولُ له أسماء ويقول: (أنا محمَّدٌ وأنا أحمدُ وأنا الحاشِرُ وأنا العاقِبُ)، وهو عليه الصلاة والسلام له أسماء يُعرَف بها، لكن أشهرها اسمان: أحمد ومحمَّد، فذكرَ العلماءُ: أن اسمه "محمَّد" هو المذكورُ في التوراةِ، و"أحمد" هو المذكورُ في الإنجيلِ، كما جاء في، أخبرَ اللّهُ به عن المسيحِ عيسى وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ [الصف:6]
ويجوزُ لآحادِ الناسِ لو سمَّى ولدَهُ يعني بأكثرِ من اسمٍ هذا عَلَم، اسمٍ، وهذا لقبٌ، وهذا كنيةٌ، كلها أسماءُ هي في الحقيقة، الكنية اسم يعرفه بها الإنسان، فلان أبو فلان، نعم.
– القارئ: لمَّا كَانَ الْمَقْصُود بِالِاسْمِ التَّعْرِيفِ والتمييزِ وَكَانَ الِاسْم الْوَاحِد كَافِياً فِي ذَلِك كَانَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ أولى.
– الشيخ: الِاقْتِصَار عَلَيْهِ أولى، لكنْ تأتي أسماءٌ يعني معبِّرةٌ عن صفاتٍ، أما عَلَمَ محضٌ، لا ما ينبغي إلا واحد.
– القارئ: وَيجوز التَّسْمِيَة بِأَكْثَرَ من اسْمٍ وَاحِد كَمَا يُوضَعٌ لَهُ اسْمٌ وكنيةٌ ولقبٌ.
– الشيخ: اسْمٌ وكنيةٌ ولقبٌ، نعم. هكذا يعرفها النحاةُ أنَّ العَلَمَ ثلاثة أنواع:
اسمٌ: وهو ما دل على مسمَّاه وعَيّنَ مسمّاه، بلا شيء، بلا قرينة، زيد، علي، كذا.
والكنيةُ: ما صُدِّرَ بأبٍ أو أمٍ.
واللقبُ: ما دلَّ على مدحٍ أو ذمٍ.
– القارئ: وَأما أَسمَاءُ الربِّ تبارك تَعَالَى وَأَسْمَاء كِتَابهِ وَأَسْمَاءِ رَسُولهِ فَلَمَّا كَانَتْ نعوتاً دَالَّة على الْمَدْحِ وَالثنَاءِ لم تكنْ من هَذَا الْبَابِ
– الشيخ: نعم فهي أسماءٌ وصفاتٌ، أسماء اللّه هي أسماء له يُعرَف بها ويُذكَر بها وهي متضمّنةٌ لمعاني ولهذا من قواعدِ هذا الباب أن كلَّ اسم متضمنٌ لصفة، وهكذا أسماء القرآن، وهكذا أسماء النبيِّ –صلى اللّه عليه وسلم- هي أسماءٌ وصفاتٌ، ولكنْ هذه الأسماء بعضها أظهر من بعض، وأشهر من بعض.
– القارئ: فَلَمَّا كَانَتْ نعوتاً دَالَّةً على الْمَدْحِ وَالثنَاءِ لم تكنْ من هَذَا الْبَاب بل من بَاب تَكْثِيرِ الاسماءِ لجلالةِ الْمُسَمَّى وعظمتِهِ وفضلِهِ كما قَالَ الله تَعَالَى وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ من حَدِيث جُبَير بن مُطعِم قَالَ: قَالَ رَسُولُ الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-: (لي خَمْسَةُ أَسمَاء أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَنَا أَحْمَدُ، وَأَنَا الْمَاحِي الَّذِي يَمْحُو اللهُ بِيَ الْكُفْرَ، وَأَنَا الْحَاشِرُ الَّذِي يُحْشَرُ النَّاسُ عَلَى قَدَمَيَّ، وَأَنَا الْعَاقِبُ الَّذِي لَيْسَ بَعْدَهُ نبيٌّ).
– الشيخ: اللّهم صلِّ وسلّم عليه، نعم.
– القارئ: وَقَالَ الامامُ أَحْمد –رحمه الله تعالى- حَدَّثَنَا أَسْوَدُ بْنُ عَامِرٍ، قالَ: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، عَنْ عَاصِمٍ ابْن بَهْدَلَة، عَنْ أَبِي وَائِلٍ عنْ حُذَيْفَةَ قَالَ سَمِعتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: (أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَنَبِيُّ الرَّحْمَةِ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَالْحَاشِرُ يُحشَرُ الناسُ على قَدمِي، وَالْمُقَفِّي، وَنَبِيُّ الْمَلَاحِمِ)
قَالَ أَحْمد: وحَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ حَدَّثَنَا الْمَسْعُودِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ أَبِي مُوسَى قَالَ: سَمَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفْسَهُ أَسْمَاءً، مِنْهَا مَا حَفِظْنَاهُ وَمِنْهَا مَا لَمْ نَحْفَظْهُ، قَالَ: (أَنَا مُحَمَّدٌ، وَأَحْمَدُ، وَالْمُقَفِّي، وَالْحَاشِرُ، وَنَبِيُّ التَّوْبَةِ، وَنَبِيُّ الْمَلْاحِمِ) رَوَاهُ مُسلمٌ فِي صَحِيحه.
– الشيخ: اللّه أكبر، اللّه أكبر، نعم.
– القارئ: وَذكر أَبُو الْحسنُ بن فَارس لرَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- ثَلَاثَةً وَعشْرينَ اسْماً:
مُحَمَّد، وَأحمد، والماحِي، وَالْعَاقِب، والمقفيِّ، وَنَبِيُ الرَّحْمَةِ، وَنَبِي التَّوْبَةِ، وَنَبِي الْمَلَاحِمِ، وَالشَّاهِدُ، والمبشِّرُ، والنذيرُ، والضحوكُ، والقَتَّالُ، والمتوكلُ، والفاتحُ، والأمينُ، والخاتَمُ، والمصطفى، وَالرَّسُولُ، وَالنَّبِيُّ، والأميُّ، وَالقَاسِمٌ، والحاشرٌ.
– الشيخ: لكن ما كان يُذكَر الرسول، في الخبر عنه وتعداد صفاته يُذكَر، أما في التعبيرِ عنه، يعني معروف قال رسول اللّه، يُذكَر باسم الرسالة، قالَ رسول اللّه، ويُذكَر باسمه أحياناً باسم العَلَم "محمد"، نبيُّ اللّه محمد، نبينا محمد، اللّهم صلِّ على محمد، ولا يُجزئ أن تقول: اللّهم صلِّ على نبي الرحمة في التشهد، لا، لابدّ من: اللّهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد.
– القارئ: الْفَصْلُ التَّاسِعُ: فِي بَيَانِ ارتباطِ معنى الِاسْم بِالْمُسَمّى.
وَقدْ تقدَّمَ مَا يَدلُّ على ذَلِكَ من وُجُوهٍ أَحدهُمَا:
قَولُ سعيدِ بن الْمُسيِّبِ: مَا زَالَتْ فِينَا تِلْكَ الحُزُوْنَةُ، وَهِيَ الَّتِي حَصلَتْ من تَسْمِيَةِ الْجدِّ بِحَزْنٍ.
وَقد تقدَّمَ قَولُ عمرُ -رضي اللّه عنه- لجَمَرَة بن شهَاب: أدْركْ أهلكَ فقدْ احترقوا.
وَمَنَعُ النَّبِي – صلى الله عَلَيْهِ وَسلم – مَنْ كَانَ اسْمه حَربًا أَو مُرَّة أَن يَحْلِبَ الشَّاةَ تِلْكَ الَّتِي أَرَادَ حَلْبَها، وشواهِدٌ كَثِيرَةٌ جداً.
– الشيخ: تقدَّم هذا، المهم أنَّ هذا كله يدلُّ على استحباب الأسماء الحسنة المفرِّحة الزينة، يعني وين في ناس واحد اسمه "مُرضي" واحد اسمه "مِزعل" الآن موجود، "مزعل" ما هو بزين زعل وكذا، أين هذا من هذا، يعني الاسم "واحد وش اسمك؟ مرضي، هذا زين طيب"، والآخر يقول: اسمه مزعل، واللّه يا أخي وهناك أيضاً واحد اسمه "رضوان" واحد اسمه غضبان… نعم.
– القارئ: عفا اللّهُ عنكَ، فَقلَّ أَن ترى اسْماً قبيحاً إِلَّا وَهُوَ على مُسَمَّى قَبِيحٍ كَمَا قيل
(وَقَلَّ مَا أَبْصرتْ عَيْنَاكَ ذَا لقبٍ … إِلَّا وَمَعْنَاهُ إِن فَكرتَ فِي لقبِهِ)
– الشيخ: يعني ما هو على كل حال، نعم.
– القارئ: وَالله سُبْحَانَهُ وتعالى بِحِكْمَتِهِ فِي قَضَائِهِ وَقدرِهِ يلهمُ النُّفُوسَ أَن تضعَ الْأَسْمَاء على حسبِ مسمياتِها لتناسبَ حكمتُهُ تَعَالَى بَين اللَّفْظ وَمَعْنَاهُ كَمَا تناسبتْ بَين الْأَسْبَاب ومسبباتِهَا.
قَالَ أَبُو الْفَتْح ابْن جِنِّي: وَلَقَد مرَّ بِي دهر وَأَنا أسمعُ الِاسْم لَا أَدْرِي مَعْنَاهُ فآخذ مَعْنَاهُ من لَفظِهِ ثمَّ أكشفهُ فَإِذا هُوَ ذَلِكَ المعنى بِعَيْنِه أَو قريبٍ مِنْهُ.
فَذكرتُ ذَلِك لشيخ الاسلام ابْن تَيْمِية -رَحمَه الله- فَقَالَ: وَأَنا يَقعُ لي ذَلِكَ كثيراً.
وَقَدْ تقدَّمَ قَوْلُهُ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم-: "أَسْلَمُ سَالَمَهَا اللَّهُ، وَغِفَارُ غَفَرَ اللَّهُ لَهَا، وَعصيَّة عَصَتْ الله وَرَسُوله".
وَلمَّا أسلمَ وَحشِيُّ قَاتلُ حَمْزَة –رضيَ اللّهُ عنهُ- وقفَ بَين يَديْ النَّبِي -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- فَكَرِهَ اسْمَهُ وَفِعْلَهُ وَقَالَ: "غَيِّبْ وَجْهَكَ عَنِّيْ".
وَبِالْجُمْلَةِ فالأخلاقُ والأعمالُ وَالْأَفْعَالُ القبيحةُ تستدعيْ أَسمَاءً تُناسبِهُا، وأضدادُهَا تستدعِيْ أَسمَاءَ تناسِبُهَا، وكَمَا أَنَّ ذَلِكَ ثَابتٌ فِي أَسمَاءِ الْأَوْصَافِ، فَهُوَ كَذَلِكَ فِي أَسمَاءِ الْأَعْلَامِ، وَمَا سُمِّيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- مُحَمَّدًا وَأحمدَ إِلَّا لِكَثْرَةِ خِصَالِ الْحَمدِ فِيهِ.
– الشيخ: اللّهم صلِّ وسلّم عليه، لكن ليسَ كلُّ من يُسمّى "محمد" يكون كذلك، كم اسمه "محمد" وليس بمحمد، بل هو مذمَّم، لكن الرسول محمَّد: نعم عَلَمٌ وصفةٌ، محمد اسم النبي هو عَلَمٌ وصفةٌ، نعم.
– القارئ: وَمَا سُمِّيَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- مُحَمَّدًا وَأحمدَ إِلَّا لِكَثْرَةِ خِصَالِ الْحَمدِ فِيهِ وَلِهَذَا كَانَ لِوَاءِ الْحَمدِ بِيَدِهِ، وَأمتُهُ الْحَمَّادُونَ، وَهُوَ أعظمُ الْخلقِ حمداً لرَبِه ِتباركَ وتَعَالَى.
وَلِهَذَا أَمَرَ رَسُول الله -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- بتحسينِ الْأَسْمَاءِ فَقَالَ: "حَسِّنوا أسماءَكُمْ"
فَإِنَّ صَاحبَ الِاسْمِ الْحسنِ قدْ يَستحيِّ مِن اسْمِهِ
– الشيخ: غير الحسن اقرأها كذا.
– القارئ: فَإِنَّ صَاحبَ الِاسْمِ غير الْحَسَنِ قدْ يَستحيِّ مِن اسْمِهِ.
– الشيخ: وش [ما] قال عليه المحقق؟
– القارئ: ما ذكرَ شيئا يا شيخ
– الشيخ: راجعوا راجعوا الحديث هذا.
– القارئ: ليس حديثاً يا شيخ، انتهى الحديث
– الشيخ: وش [ما] يقول، اقرأ
– القارئ: وَلِهَذَا أَمَرَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عَلَيْهِ وَسلم- بتحسينِ الْأَسْمَاءِ فَقَالَ: "حَسِّنوا أسماءَكُمْ"
– الشيخ: طيب هذا إلي نقولك راجع الحديث
– القارئ: أي نعم
– الشيخ: ما عندك عليه
– القارئ: قالَ: جزءٌ من حديثِ أبي الدرداءِ وقدْ بيّنتُ ضعفَهُ.
– الشيخ: طيب، أنتَ تقولُ: يعني قوله: فَإِن صَاحبَ الِاسْم
– القارئ: الْحَسَنَ
– الشيخ: هذا ما هو من المتن؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: ما هو من الحديث؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: يعني تعليقٌ من ابن القيم.
– القارئ: ابن القيم –رحمه اللّه تعالى-
– الشيخ: أي، لا شكَ أنَّ، الأسماءَ أقولُ: حسن الأسماءِ مطلبٌ شرعيٌ وعاديٌ، نعم.
– القارئ: وَقدْ يحملُهُ اسْمُهُ على فِعْلِ مَا يُنَاسِبُهُ وَتركِ مَا يُضادُّهُ؛ ولهذا ترى أَكثرَ السُّفَّلِ أَسمَاؤُهُمْ تناسبُهُم، وَأكْثرَ الْعليةِ أَسمَاؤُهُم تناسبُهُم. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق.
الْفَصْل الْعَاشِر
– الشيخ: إلى هنا يا أخي.
– القارئ: عفا اللّه عنكَ يا شيخ.