file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(5) إعادة الكلام عن علم التوحيد

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الخامس

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعينَ، اللهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ بنِ ناصر السَّعديِّ -رحمَه اللهُ تعالى وأسكنَه فسيحَ جنَّاتِه- في كتابِه "فتحُ الرحيمِ الـمَلِكِ العلَّامِ في علمِ العقائدِ والتوحيدِ والأخلاقِ والأحكامِ المُستنبطةِ مِن القرآنِ":
النوعُ الأولُ من علومِ القرآنِ: علمُ العقائدِ وأصولِ التوحيدِ.

– الشيخ: لا إله إلا الله.
الدينُ -دين الإسلام- يقوم، يشتملُ على أصلين: أصلُ العلم، والعمل. والعلمُ هو: الاعتقاداتُ، والأعمالُ: أعمالُ قلوبٍ، وأعمالُ جوارحٍ.
أما أعمال الجوارح فهي ظاهرةٌ: ركوعٌ، وسجودٌ، والصلاةُ، والحجُّ، والأذكارُ، والصدقةُ. وأعمالُ القلوبِ: كالخوفِ، والرجاء، والتوكلِ، والحبِّ في الله، والبغضِّ في الله، هذه أعمال القلوب.
في الاعتقادات، الأمور العلمية فقط، ويتعلَّق بها الإيمان، الإيمانُ بالله، والإيمانُ بالملائكة، الإيمان بالملائكة ما هو إلا عقيدة، الإيمان باليوم الآخِر عقيدة، وقد جمعَهما الله في الخبرِ عن الرسول -صلى الله عليه وسلَّم-، فقال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [التوبة:33]، قالَ المفسِّرون: الهدى هو: العلمُ النافعُ، وهي: الاعتقاداتُ، ودين الحقِّ هو: العمل، فالله أرسل محمداً -صلى الله عليه وسلم- بالعلم النافع والعمل الصالح.
 

– القارئ: وهذا هو أشرفُ العلومِ على الإطلاقِ وأفضلُها وأكملُها وبِهِ تستقيمُ القلوبُ على العقائدِ الصحيحةِ، وبِه تزكو الأخلاقُ وتنمو، وبِه تصحُّ الأعمالُ وتكمُلُ.
وموضوعُ هذا العلمِ البحثُ عمَّا يجبُ للهِ مِن صفاتِ الكمالِ ونعوتِ الجلالِ، وما يمتنعُ ويستحيلُ عليهِ مِن أوصافِ النَّقصِ والعيبِ والمثالِ، وما يجوزُ عليهِ مِن إيجادِ الكائناتِ وأنَّه الفعَّالُ لما يريدُ، ما شاءَ كانَ وما لمْ يشأْ لمْ يكنْ.
وكذلكَ البحثُ عما يجبُ الإيمانُ بِه مِن الرسلِ وصفاتِهم، وما يجبُ لهمْ ويمتنعُ في حقِّهم ويجوزُ، والإيمانُ بالكتبِ الـمُنزَّلَّةِ على الرسلِ، والإيمانُ بما أخبرَ اللهُ بِه وأخبرتْ بِه رسلُه عن الحوادثِ الماضيةِ والمستقبلَةِ، وعن الإيمانِ باليومِ الآخرِ، والجزاءِ والثوابِ والعقابِ، والجنةِ والنارِ، وما يتبعُ ذلكَ ويتعلَّقُ بِهِ، فهذهِ مُجْمَلَاتُ مواضيعِ هذا العلمِ الجليلِ.
والقرآنُ العظيمُ قدْ بيَّنَ هذهِ الأمورَ غايةَ التبيينِ، ووضَّحَها توضيحًا لا يقاربُه شيءٌ من الكتبِ الـمُنزَّلَّةِ، ولم يُبْقِ منها أصلاً إلا بيَّنَه وجمعَ فيهِ البيانَ والبرهانَ، بيَّنَ المسائلَ المهمةَ الجليلةَ، والبراهينَ القاطعةَ العقليةَ والنقليةَ والفِطريةَ.
وهذا النوعُ أقسامٌ:
أولها ومُقَدَّمُهَا: علمُ التوحيدِ، وهو العلمُ بما

– الشيخ: لا إله إلا الله، يعني تبيّن مسائلُ الاعتقاد تتعلَّق بالأصول الستة، جميع مسائلُ الاعتقاد تتعلَّق بالأصول الستة: الإيمانُ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه، ولا يخفى أن أعظمَ هذه الأصول: "الإيمان بالله"، ويدخل في ذلك: الإيمان بإلهيَّته أنه الإله الحق، وربوبيتُه بأنه الخالقُ المالِكُ المدبِّرُ الـمُنعِم بجميع النِّعَمِ، والإيمان كذلك بأسمائِه وصفاتِه، هذه كلُّها تدخل في الإيمان بالله.
 

– القارئ: وهو العلمُ بما لله من جميعِ صفاتِ الكمالِ، وأنَّ الربَّ تفرَّدَ بها، وأنَّ لَه الكمالُ المطلَقُ الذي لا تقدرُ القلوبُ أنْ تبلغَ كُنْهَهُ، ولا الألسنُ على التعبيرِ عنْه، ولا يقدِرُ الخلقُ على الإحاطةِ ببعضِ صفاتِه فضلاً عن جميعِها، وهذا العلمُ مبنيٌّ على اعتقادٍ وعِلمٍ وعلى تألُّهٍ وعملٍ.
أما الاعتقادُ والعلمُ: فأنْ يعتقدَ العبدُ أنَّ جميعَ ما وصفَ اللهُ بِه نفسَه مِن الصفاتِ الكاملةِ ثابتٌ للهِ على أكملِ الوجوهِ، وأنَّه ليسَ للهِ في شيءٍ مِن هذا الكمالِ مُشارِكٌ، وأنَّه منزّهٌ عن كلِّ ما ينفي هذا الكمالَ ويناقضُه، مما نزَّهَ بِه نفسَه أو نزَّهَه رسولُهُ -صلى الله عليه وسلم-.
وأما التألُّهُ والعملُ: فأنْ يتقرَّبَ العبدُ إلى ربِّه بأعمالِه الظاهرةِ والباطنةِ إلى اللهِ، ويخلصُها لوجهِه، وينيبَ إليهِ ويتألَّهه محبةً وخوفًا ورجاءً وطلبًا وطمعًا، فيقصدُ وجهَه الأعلى بما يعتقدُه من العقائدِ الصحيحةِ، وبما يقصدُه ويريدُه مِن الإراداتِ الصالحةِ والمقاصدِ الحسنةِ التابعةِ لأعمالِ القلوبِ، وبما يعملُه مِن الأعمالِ الصالحةِ الراجعةِ للقيامِ بحقوقِ اللهِ وحقوقِ عبادِه، وبما يقولُه ويتكلَّم به مِن ذكرِ اللهِ والثناءِ عليهِ وقراءةِ كلامِه وكلامِ رسولِه -صلى الله عليه وسلم-، وكلامِ أهلِ العلمِ الذي يرجعُ إلى ذلكَ، ومِن الكلامِ الطيِّبِ والنُصحِ للعبادِ في أمورِ دينِهم ودنياهُم، ومِن ذلكَ تعلُّمُ العلومِ النافعةِ وتعليمُها، فكلُّ هذهِ الأشياءِ يجبُ إخلاصُها للهِ وحدَه، وبتمامِ الإخلاصِ يتمُّ التوحيدُ والإيمانُ.
فبهذا التقريرِ يكونُ التوحيدُ يرجعُ إلى أمرينِ:
توحيدُ الأسماءِ والصفاتِ، ويدخلُ فيهِ توحيدُ الربوبيةِ، وهذا يرجعُ إلى العلمِ والاعتقادِ.
وتوحيدُ الإلهيةِ والعبادةِ، وهذا يرجعُ إلى العملِ والإرادةِ، عملِ القلوبِ وعملِ الأبدانِ كما تقدَّم، ويسمَّى: "توحيدَ الإلهيةِ"؛ لأنَّ الإلهيةَ وصفُ الباري –تعالى-، ويسمَّى: "توحيدَ العبادةِ"؛ لأنَّ العبادةَ وصفُ العبدِ الموحِّدِ المخلِصِ للهِ في أقوالِه وأعمالِه وجميعِ شؤونِه.
والقرآنُ العظيمُ يكادُ كلُّه أنْ يكونَ تقريرًا لهذِهِ الأصولِ العظيمةِ، ودفعًا لما يناقضُها ويضادُّها من التعطيلِ والتشبيهِ والتنقيصِ، ومِن الشركِ الأكبرِ والأصغرِ والتنديدِ.
ثم قالَ -رحمه الله-

– الشيخ: إلى هنا يا أخي
– القارئ: أحسن الله إليك
– الشيخ: الله المستعان، رحمَه الله.
وبين الاعتقاداتِ والأعمالِ أتمّ الاعتقاد الجازم يستلزم العمل، فالعملُ ثمرة الإيمان الذي في القلبِ، ثمرة الاعتقادِ الصحيح الذي في القلب، والعمل كذلك يقوِّي الاعتقادَ، فعلى سبيل المثال: الصلاةُ فيها جانبان: جانبُ عملٍ، وجانبُ اعتقادٍ.
جانبُ العمل هو أفعالُها الظاهرة، الأفعال والأقوال الظاهرة، والاعتقاد: اعتقادَ وجوبها، فاعتقادُ الإيمان بوجوب الصلاة هذا: "عقيدةٌ"، وأداءُ الصلاة: "عملٌ"، أداء الصلاة عملٌ، والإيمان بوجوبها عقيدةٌ، فمن جَحَدَ وجوبَها كَفَرَ، ومن قصَّر فيها عصى، وقد يَؤولُ به ذلك إلى الكفرِ. المقصود أن الدين نوعان: علمٌ وعملٌ، أو اعتقادٌ وعملٌ أو سلوكٌ. إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ [البقرة:119]، هذه جمعتْ ذكرَ الـمُرْسِل والرسولِ والرسالةِ، فالله هو: الـمُرسِل، والرسول محمد، والرسالة هي: الحقُّ الذي جاءَ به ودعا إليه. إلى هنا، نعم يا محمد.

 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة