(6) كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس السّادس

***    ***    ***    ***
 
– القارئ:
الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّم على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، اللهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ بن ناصر السَّعديّ -رحمَه الله تعالى- وأسكنَه فسيحَ جناتِه في كتابِه "فَتحُ الرَّحيم الملك العَلاَّم في عِلم العقَائِد وَالأخْلاَق" قالَ – رحمَه اللهُ تعالى-:
وكذلكُ كلمةُ الإخلاصِ وهيَ لا إله إلا الله، تتضمَّنُ نَفْيَ الألوهيةِ عَن غيرِ اللهِ، وأنَّهُ لا يستحقُّ أحدٌ مِن الخلقِ فيها مثقالَ ذرةٍ، فلا يُصرفُ لغيرِ اللهِ شيءٌ من هذهِ العباداتِ الظاهرةِ والباطنةِ، وتقَرَّر الألوهيةُ كلَّها للهِ وحدِه، فهوَ الذي يستحقُّ

– الشيخ: وَتُقَرِّر، كلمة الإخلاص
– القارئ: وَتُقَرِّرُ الألوهية ُكلَّها للهِ وحدَه، فهو الذي يستحقُّ أن يُؤَلَّهَ محبةً ورغبةً ورهبةً
– الشيخ: أن يُؤَلَّهَ، أو يُؤْلَهَ؟ أنْ يُؤْلَهَ
– القارئ: فهو الذي يستحقُّ أنْ يُؤْلَهَ محبةً ورغبةً ورهبةً وإنابةً إليهِ، وخضوعًا وخشوعًا لَهُ مِنْ جميعِ الوجوهِ والاعتباراتِ، فهوَ المأْلوهُ وحدَهُ، المعبودُ، المحمودُ، الـمُعظَّمُ، المُمَجَّدُ، ذو الجلالِ والإكرامِ، الرحمنُ، الرحيمُ، البَرُّ، الكريمُ، الجوادُ، الوهابُ، الرؤوفُ، هذهِ الأسماءُ الكريمةُ متقاربٌ معناهَا، وكلُّها تدلُّ على أنَّه موصوفٌ بالكمالِ والرحمةِ وسَعةِ البِّرِ والإحسانِ، وكثرةِ المواهبِ والحَنانِ والرأفةِ.
فجميعُ ما فيهِ العالمُ العلويُّ والسُّفليُّ

– الشيخ: "ما في"، عندك "ما فيه"؟ "ما في العالم"، "ما في"
– القارئ: فجميعُ ما في العالمُ العلويُّ والسُّفليُّ من حصولِ المنافعِ والمحابِّ والمسارِّ والخيراتِ، فإنَّ ذلكَ منْهُ ومِن رحمتِه وجودِه وكرمِه وفضلِه، كما أنَّ ما صُرَفَ عنهُم من المكارهِ والنِّقَمِ والمخاوفِ والأخطارِ والمضارِّ، فإنَّها مِن رحمتِه وبِرِّهِ، فإنَّه لا يأتي بالحسناتِ إلا هوَ، ولا يدفعُ السيئاتِ إلا هوَ ورحمتُهُ -تعالى- سَبقتْ غضبَهُ وغلبتْهُ، وظهرَتْ في خلقِهِ ظهورًا لا يُنكَرُ، حتى ملأتْ أقطارَ السمواتِ والأرضِ، وامتلأتْ منها القلوبُ التي حنَّتْ المخلوقاتُ بعضُها على بعضٍ بهذهِ الرحمةِ التي نشرَها عليهمْ وأودعَها في قلوبِهم، وحتى حنَّتِ البَهائمُ التي لا ترجو نفعًا ولا عاقبةً ولا جزاءً على أولادِها، وشُوهِدَ مِن رأفتِها وشفقتِها العظيمةِ ما يَشهدُ لهم بعنايةِ باريها ورحمتِه الواسعةِ، وعمَّتْ مواهبُه أهلَ السمواتِ والأرضِ، ويَسَّرَ لهمُ المنافعَ والمعايشَ والأرزاقَ وَرَبَطَهَا بأسبابٍ مُيسَّرةٍ وطرقٍ مسهلةٍ، فــ مَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا [هود:6]
وعَلِمَ -تعالى- من مصالحِهم ما لا يعلمونَ، وقَدَّرَ لهمْ منها ما لا يريدونَ، وما لا يقدرونَ، وربَّما أجرى عليهمْ مكارَهَ توصلِهُم إلى ما يُحبُّونَ، بل رحمَهُم بالمصائبِ والآلامِ، فجعلَ الآلامَ كلَّها خيرًا للمؤمنِ الذي يقومُ بوظيفةِ الصَّبرِ:
(عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ، فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ، صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَلَيْسَ ذَلكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ) وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ [البقرة:216]
وكذلكَ ظهرتْ رحمتُه في أمرِه وشرعِه ظهورًا تشهدُه البصائرُ والأبصارُ، ويعترفُ بِه أولوا الألبابِ. فشَرْعُه نورٌ ورحمةٌ وهدايةٌ، وقد شرعَهُ محتويًا على الرحمةِ، ومُوصِلاً إلى أجلِّ رحمةً وكرامةً وسعادةً وفلاحً.
وشرعَ فيه من التسهيلاتِ والتيسيراتِ ونفيِّ الحرجِ والمشقَّاتِ ما يدلُّ أكبرَ دَلالةٍ على سعةِ رحمتِه وجودِه وكرمِه، ومناهيهِ كلُّها رحمةٌ؛ لأنَّها لحفظِ أديانِ العبادِ، وحفظِ عقولِهم وأعراضِهم وأبدانِهم وأخلاقِهم وأموالِهم من الشرورِ والأضرارِ.
فكلُّ النواهي تعودُ إلى هذهِ الأمورِ، وأيضًا الأوامرُ سهَّلها وأعانَ عليها بأسبابٍ شرعيةٍ وأسبابٍ قدريةٍ، وذَلِكَ مِن تمامِ رحمتِه، فكما أنَّ النواهيَ جعلَ عليها مِن العوائقِ والموانعِ ما يَحجزُ العبادُ عَن مواقعتِها إلا مَن أبى وشَرَدَ، ولمْ يَكُنْ فيهِ خيرٌ بالكليَّة.
وشرعَ -أيضًا- مِن الروادعِ والزواجرِ والحدودِ مَا يمنعُ العبادَ ويحجزُهم عَنها، ويُقلِّلُ من الشرور ِكثيرًا.
وبالجملةِ فشرعُهُ وأمرُهُ نَزَلَ بالرحمةِ، واشتمَلَ على الرحمةِ، وأوصلَ إلى الرحمةِ الأبديةِ والسعادةِ السَّرمديَّةِ.
ثم قال -رحمه الله-:
الخالقُ البارئُ المصورُ

– الشيخ: حسبك
– القارئ: أحسن الله إليك.
 

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة