بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الثّالث عشر
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين. اللهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرِين والمُستمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ بن ناصر السَّعدي -رحمَه الله تعالى- في كتابه: "فتحُ الرحيمِ الملكِ العلَّام في علمِ العقائدِ والتوحيدِ والأخلاقِ والأحكامِ المُستنبطة من القرآن" قال -رحمه الله-:
الحكيمُ: -إلى أن قال- وأمَّا الحكمةُ في شرعِهِ وأمرِهِ
– طالب: …
– القارئ: لا، باقي باقي نصفُ صفحةٍ، وأمَّا الحكمةُ في شرعِهِ وأمرِهِ
– طالب: وقفنا على السميعِ البصيرِ العليمِ الخبيرِ
– القارئ: ما خلصنا، الشيخ قال لي "قف". قالَ -رحمه الله تعالى-: السميعُ البصيرُ
– الشيخ: يعني هذا قرأنَاهُ الحكمةُ الشرعيةُ؟
– القارئ: الحكمة، لا، ما قرأناه، وأمَّا الحكمةُ في شرعِهِ وأمرِهِ
– الشيخ: ليش [لماذا] الخلاف هذا؟
– طالب: أنا معلوماتي مُسجَّلَها عندي، أنه قرأناهُ الأسبوعَ الماضي.
– طالب: قرأناهَا نعم
– الشيخ: شاهدان، شاهدان، مناحي، لا بأس.
– القارئ: السميعُ البصيرُ، العليمُ الخبيرُ
أي: السميعُ لجميعِ الأصواتِ باختلافِ اللُّغاتِ على تَفَنُّنِ الحاجاتِ،
– الشيخ: الله أكبر، الله أكبر، لا إله إلا الله، سبحانَ مَنْ وَسِعَ سمعُهُ الأصوات.
– القارئ: سِرُّهَا وجهرُهَا، سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ [الرعد:10]
البصيرُ: الذي أبصرَ كلَّ شيءٍ دَقَّ وَجَلَّ
– الشيخ: لا إله إلا الله، سبحان الله! إذا اقترنَ السميعُ بالبصيرِ فالمرادُ السَّمْعُ الذي هو إدراكُ الأصواتِ على اختلافِها خيرِهَا وشرِّهَا، يسمعُ أقوالَ المؤمنين والملائكةِ وسائرِ الأشياءِ، ويسمعُ أقوالَ الكفرةِ لَّقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء [آل عمران:181]
وتارةً يُرادُ بالسمعِ: القبولُ والاستجابةُ، مثل: "سَمِعَ اللُه لمنْ حمدَهُ" ليسَ المرادُ مجرَّدَ سَمْعِ الصوتِ، لا، فيها معنى الاستجابةِ والقبولِ، مثل: إِنَّ رَبِّي لَسَمِيعُ الدُّعَاءِ [إبراهيم:39] وكذا إذا اقترنَ السميعُ بالقريبِ فهو أدَلُّ على المعنى الثاني.
– القارئ: البصيرُ: الذي أبصرَ كلَّ شيءٍ دَقَّ وَجَلَّ، فيُبصرُ دبيبَ النملةِ السوداءِ على الصخرةِ الصَّمَّاءِ في ظلمةِ الليلِ، ويُبصرُ جريانَ الأغذيةِ في عروقِ الحيواناتِ وأغصانِ النباتاتِ. ولقدْ أحسنَ مَنْ قالَ:
يا مَنْ يَرَى مَدَّ البَعُوضِ جَنَاحَهَا * * * في ظُلْمَةِ اللَّيلِ البَهيمِ الألْيَلِ
وَيَرَى نِيَاطَ عُروقِهَا في نَحْرِهَا * * * والـمُخَّ مِنْ بينِ العِظَامِ النُّحَّلِ
امْنُنْ عَلَيَّ بِتوبةٍ تَمْحُو بِها * * * ما كانَ مِنِّي في الزَّمانِ الأولِ
– الشيخ: ما علَّق عليها المحققُ عندك؟
– القارئ: قالَ: أوردَها صاحبُ الكَشَّافِ ولمْ ينسبْهَا لقائلٍ.
– الشيخ: نعم، أحسنت.
– القارئ: العليمُ بكلِّ شيءٍ، الذي لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماءِ، ولا يَعْزُبُ عَنْ علمِهِ شيءٌ، أحاطَ علمُهُ بالواجباتِ والمستحيلاتِ والجائزاتِ
– الشيخ: اصبر، اصبِر، يعني: أحاطَ علمُه بالواجباتِ، يعني: الموجوداتِ الواجبةِ التي يقتضي العقلُ وجوبَ وجودِها، وفي الحقيقةِ ليسَ في الوجودِ واجبُ الوجودِ لذاتِه إلا الله، اللهُ واجبُ الوجودِ لذاتِه، وأمَّا ما شاءَه اللهُ مِن المخلوقاتِ فهو واجبٌ لمشيئةِ اللهِ أوجبتْهُ مشيئةُ اللهِ؛ لأنَّ مَا شاءَ اللهُ كانَ ولا بدَّ، ما شاءَ اللهُ كونَه لا بُدَّ أن يكونَ، لا يتخلَّفُ.
ولكن هذهِ الواجباتُ من المخلوقاتِ هي جائزاتٌ أيْ: ممكناتٌ لذاتِها، فتكونُ واجبةَ مِن وجهٍ، واجبة من جهةِ أنَّ الله شاءَها، وما شاءَهُ اللهُ لا بدَّ أن يكونَ، وجائزةً مِن وجهٍ وهو مقتضى ذاتِها أنَّها جائزةٌ ليستْ واجبةً، فليسَ في الوجودِ واجبٌ لذاتِه إلا الله.
– القارئ: أحاطَ علمُهُ بالواجباتِ والمستحيلاتِ والجائزاتِ،
– الشيخ: والمستحيلاتُ معدوماتٌ هي مِن قَبيلِ العَدَمِ، المستحيلُ معدومٌ، وأمَّا الجائزاتُ، الجائزاتُ أيش معنى الجائزاتُ يعني: الممكناتُ، يعني هذه أحكامُ العقلِ الثلاثةِ، أحكامُ العقلِ: إما الوجوبُ، أو الجوازُ، أو الامتناعُ، فالجائزاتُ منها ما هو معدومٌ لمْ يُوجَد لكنه ممكنُ الوجودِ، ومنها ما وُجِدَ فهو في أصلِهِ ممكنٌ جائزٌ.
– القارئ: وبالـمَاضياتِ والحاضراتِ والمستقبلَاتِ، وبالعالَمِ العُلويِّ والسُّفليِّ، وبالخَفِيَّاتِ والجَليَّاتِ، وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلَا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ [الأنعام:59] يعلمُ السِّرَّ وأخفى، ويعلمُ ما أَكَنَّتْهُ الصدورُ وما تُوسوِسُ بِه النفوسُ
– الشيخ: الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، سبحان الله!
– القارئ: وما فوقَ السمواتِ العُلَى وما تحتَ الثَّرَى.
الخبيرُ الذي أدركَ علمُهُ السرائرَ،
– الشيخ: وهذه المعاني فَصَّلَها اللهُ قُلْ إِنْ تُخْفُواْ مَا فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللَّهُ [آل عمران:29] وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ [آل عمران:154] وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ [البقرة:235] يعني: ما وقعَ في النفسِ، ويعلمُ ما هو أخفى من ذلكَ، وهو ما لمْ يخطرْ بالبالِ، ما لمْ يخطرْ بالبالِ أيضاً اللهُ يعلمُه، يعلمُ السِّرَّ وأخفى، يعلمُ السِّرَّ وما هو أخفى مِنَ السِّر.
– القارئ: الخبيرُ الذي أدركَ علمُهُ السرائرَ، واطّلعَ على مكنونِ الضمائرِ، وعَلِمَ خَفِيَّاتِ البذورِ ولطائفِ الأمورِ، ودقائقِ الذَّرَّاتِ في ظلماتِ الديجورِ.
فالخبيرُ يرجعُ إلى العلمِ بالأمورِ الخفيةِ التي هي في غايةِ اللُّطفِ والصِّغَرِ، وفي غايةِ الخفاءِ، ومِن بابِ أولى وأحَرَى عِلْمُهُ بالظواهرِ والأمورِ الجليةِ، والعليمُ يَدلُّ بالمطابقةِ على الأمرينِ، وكثيرًا ما يأتي ذِكرُ هذه الأسماءِ الكريمةِ في سِياقِ الأعمالِ وجزائِهَا؛ ليوقظَ القلوبَ ويُنَبِّهَهَا
– الشيخ: لا إله إلا الله، عليم بما تعملون وَمَا أَنفَقْتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُم مِّن نَّذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ [البقرة:270] لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ [آل عمران:93]
– القارئ: وكثيرًا ما يأتي ذِكرُ هذه الأسماءِ الكريمةِ في سِياقِ الأعمالِ وجزائِهَا؛ ليوقظَ القلوبَ ويُنَبِّهَهَا على إكمالِها وإحسانِها وإتقانِها وإخلاصِها ولِيُرَغِّبَهُمْ ويُرَهِبَهُمْ.
ثم قالَ رحمه الله:
اللَّطِيْفُ
– الشيخ: خلّك عند هذا. نعم يا محمد.