الرئيسية/شروحات الكتب/التبصرة في أصول الدين/(9) قوله “واحتج المخالف بقوله تعالى {فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان}”

(9) قوله “واحتج المخالف بقوله تعالى {فوكزه موسى فقضى عليه قال هذا من عمل الشيطان}”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (التَّبصرةُ في أصولِ الدِّينِ) لأبي الفرج الشّيرازي
الدِّرس: التّاسع

***    ***    ***    ***
 

إضافةُ عمل الإنسان الى الشَّيطان إضافة تسبُّب [1] قوله تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} تهديدٌ لا تخييرٌ [2]

 
 – القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. أما بعد؛ قالَ أبو الفرجِ الشيرازيّ رحمَه اللهُ تعالى في كتابِهِ: "التبصرةُ في أصولِ الدِّين":
واحتجَّ المُخالِفُ بقولِهِ تعالى: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ [القصص:15]
وكانَ قالَ -أحسنَ الله إليك- في أولِ الفصلِ: وقالتِ المعتزلةُ القدريَّةُ والرافضةُ: الخيرُ مِن اللهِ والشَّرُّ مِن إبليسَ ومِنْ أنفسِنا..

– الشيخ: لا إله إلا الله، قال الله: كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ [النساء:78]
 

 إضافة عمل الإنسان الى الشَّيطان إضافة تسبُّب

الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 - القارئ: واحتجَّ المُخالِفُ بقولِهِ تعالى: فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ ومعلومٌ أنَّ ما صدرَ مِنْ موسى مَا كانَ إلا قَتْلاً، والقتلُ قبيحٌ، وكلُّ قبيحٍ شَرٌّ، فيكونُ هذا شرًّا فأضافَهُ إلى الشيطانِ، وهذا دليلٌ على أنَّ الشَّرَّ مِنَ الشيطانِ وإلا لكانَتْ الإضافةُ غيرَ صحيحةٍ وأنَّهُ صحيحٌ.
والجوابُ هو: أنَّا نقولُ: معنى هذهِ الآيةِ أنَّ هذا العملَ الصادرَ هو مِن تزيينِ الشيطانِ

- الشيخ: يعني: دَوْرُ الشيطانِ هو التَّسَبُّبُ، هو التَّسَبُّبُ بالتزيينِ والإغواءِ، ولَّا هو مِن عَمَلِ الإنسانِ، هو مِن عَمَلِ الإنسانِ، قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ [القصص:15] فإضافتُهُ للشيطانِ إضافةُ تَسَبُّبٍ.
 

- القارئ: الجوابُ الثاني: هو أنَّا نقولُ: المرادُ بِهِ أنَّ هذا العملَ هو عملٌ مثلُ عملِ الشيطانِ؛ لأنَّ حروفَ الصفاتِ يقومُ بعضُها مقامَ بعضٍ، فحينئذٍ يكونُ المرادُ منه: أيْ: أنَّ القتلَ قبيحٌ كمَا أنَّ عملَ الشيطانِ قبيحٌ، لا أنَّ الشَّرَّ مِن الشيطانِ.
- الشيخ: يعني: هذا شرحُ معناه يقولُ: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ كأنَّهُ يُشيرُ إلى القَتْلِ، إلى ما فعلَه موسى، وهذا في الحقيقةِ ما كانَ هو الـمُـتبادِرُ، لأنَّ الـمُـتبادِرُ أنَّ القِتالَ الذي بينهما وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِّنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ [القصص:15] هو يقولُ: القتل ولَّا القتال؟
- القارئ: يقول: القتل، أحسنَ الله إليك.
- الشيخ: هذا مُشكِلٌ، ما يظهرُ لي أنَّ قوله: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يعني نفسَهُ، لا، كأنَّ المناسِبَ القتالُ والخصومةُ والمضاربةُ وكذا، مِن عملِ الشيطانِ، هذا هو الذي أنكرَه على فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِن شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ
وقد يُؤَيِّدُ المعنى الذي يُفهمُ مِن هذا الكلامِ قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ [القصص:16] شوف [انظر] ابن كثير، أحدكم، محمد.
- طالب: سم [تفضل]

- الشيخ: ابنُ كثيرٍ على الآية ذي، على قوله: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ
- القارئ: فإنْ قيلَ: أنتمْ تَنْسِبونَ اللهَ تعالى إلى الجَورِ؛ لأنَّكم تقولونَ: قضَى علينا وعذَّبَنَا بما قَضَى علينا،
- الشيخ: لا حول ولا قوة إلا بالله.
- القارئ: وهذا نفسُ الجَورِ، قيلَ لَهُ في جوابِهِ: إنَّ العذابَ لأجلِ كَسْبِنَا لأفعالِنَا، وإنْ كانَتْ بتقديرِ اللهِ تعالى، فهِيَ لنا، ومنْهُ قولُهُ تعالى: لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ[البقرة:286] فعَلَى هذا التقديرِ لا يكونُ ظُلْمَاً.
دليلٌ ثانٍ: هو أنَّ حَدَّ الظلمِ: "وضعُ الشَّيءِ في غيرِ موضعِهِ، والتصرُّفُ في غيرِ مُلْكِهِ"، فاللهُ تعالى مُنزَّهٌ عَن ذلكَ، ولا يَضَعُ الشيءَ في غيرِ موضعِهِ؛ لأنَّ الدنيا والآخرةَ مِلْكٌ لَهُ، فلا يُوصَفُ بتصرُّفِهِ فيهمِا أنَّهُ ظالمٌ؛ لأنَّهُ لا يَ تصرَّفُ إلا في مُلْكِهِ.
جوابٌ آخر: هو أنَّ عندَ القَدَريَّةِ هو أنَّ اللهَ تعالى أقدرَنَا على المعاصي، فإنْ جازَ أنْ يُقالَ

- الشيخ: يعني: أنَّ اللهَ هو خالقُ العبادِ، وخالقُ قُدَرِهِم، اللهُ هو الذي أعطَى العبدَ القدرةَ على الفِعلِ.
- القارئ: أنَّ اللهَ تعالى أقدرَنَا على المعاصي، فإنْ جازَ أنْ يُقالَ: هو ظالمٌ بإقدارِهِ إيَّانَا على ذلكَ، فكلُّ جوابٍ لهمْ عَمَّا قُلْنَاهُ هو جوابٌ لنا عَمَّا قالوهُ.
فإنْ قيلَ: فتقولونَ: أنَّ العبدَ مُخَيَّرٌ ومجبورٌ

- الشيخ: كأنَّ فيها معنى الاستفهامِ "أفتقولونَ؟" "أفتقولونَ أنَّ العبدَ مُخيَّرٌ ومجبورٌ؟"
 
2  قوله تعالى: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} تهديدٌ لا تخييرٌ
- القارئ: قيلَ لَهُ في جوابِهِ: إنَّ العبدَ عندنا ليسَ مُخيَّراً ولا مجبوراً، بل محكومٌ عليهِ مِنْ حيثُ الاقتدارِ، وذلكَ هو أنَّ العبدَ إنَّما يُخيَّرُ بينَ الشيئينِ يجوزُ فِعلُ كلِّ واحدٍ منهمَا على الانفرادِ كقولِهِ: "اشربِ اللَّبَنَ أو العسلَ"، ولا يجوزُ التخييرُ بينَ شيئينِ لا يجوزُ فعلُ كلِّ واحدٍ منهما على الانفرادِ كقوله: "اشربِ اللَّبَنَ أو الخمرَ"، فإذا ثبتَ هذا بطلَ أنْ يكونَ مُخَيراً بينَ الطاعةِ والمعصيةِ.
- الشيخ: لا شكَّ أنه ما هو مُخيَّرٌ شرعاً، وقوله تعالى: وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ [الكهف:29] هذا تهديدٌ، لا يُسمَّى تخييراً، ليسَ تخييراً بينَ الحقِّ والباطلِ، بينَ الكفرِ والإيمانِ، بلْ هذا تهديدٌ كقولِهِ: اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ [فصلت:40] لأنَّها أُتْبِعَتْ بالوعيدِ، فامتنعَ أنْ يكونَ تخييراً. ولفظُ: "الإنسانُ مخيرٌ أو مسيرٌ" أو ما أشبهَ ذلكَ، هي ألفاظٌ مجملةٌ لا بُدَّ فيها مِن التفصيلِ.
 

- القارئ: ولا يجوزُ أنْ يكونَ مجبوراً؛ لأنَّ الجَبْرَ في اللغةِ: عبارةٌ عَن الإكراهِ، والعبدُ غيرُ مُكْرَهٍ، فإذا بَطَلَ هذانِ القِسمانِ لمْ يبقَ إلا أنْ يكونَ محكوماً عليهِ مِنْ حيثُ الاقتدارِ؛ لأنَّ اللهَ تعالى لمْ يتركِ الخَلْقَ سُدَىً، بلْ أخبرَ أنَّ عليهِم حكمَهُ وما سَبَقَ في علمِهِ، وبمثلِ هذا أجابَ جعفرُ بنُ محمدٍ الصادق رحمة الله عليه لـمَّا سُئِلَ عَن ذلكَ.
- الشيخ: انتهى
- القارئ: فصلٌ
- الشيخ: حسبك يا أخي، حسبُنَا الله ونعم الوكيل، أيش قال محمد؟
- طالب: سم [تفضل]

- الشيخ: عندَ الآيةِ قَالَ هذا بس.
- طالب: ما ذكر شيئاً، ابن كثير، راجعت طبعتين من تفسير ابن كثير

- الشيخ: أيش [ماذا] يقول؟
- طالب: أقول: ابنُ كثيرٍ ما ذكر شيئاً.
- طالب: ابنُ عاشورٍ ذكرَ قال: وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا إِلَى الضَّرْبَةِ الشَّدِيدَةِ الَّتِي تَسَبَّبَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ، أَوْ إِلَى الْمَوْتِ الْمُشَاهَدِ مِنْ ضَرْبَتِهِ

- الشيخ: أيش؟ ما وضحَ كلامك، اقرأ زين 
- طالب: ابنُ عاشورٍ قالَ: وَالْإِشَارَةُ بِهَذَا

- الشيخ: إي، ابنُ عاشورٍ الإشارة هذا
- طالب: إلى الضربةِ الشديدةِ

- الشيخ: الضربة {فَوَكَزَهُ} الوَكْزَةُ يعني
طالب: الَّتِي تَسَبَّبَ عَلَيْهَا الْمَوْتُ أَوْ إِلَى الْمَوْتِ الْمُشَاهَدِ مِنْ ضَرْبَتِهِ

- الشيخ: لا، لا.
- طالب: أَوْ إِلَى الْغَضَبِ الَّذِي تَسَبَّبَ عَلَيْهِ مَوْتُ الْقِبْطِيِّ. وَالْمَعْنَى: أَن الشَّيْطَان أَو قدْ غَضَبَهُ

- الشيخ: المقصودُ أنه رجَّع الكلامَ إلى فعلِ موسى، كلّ التقديرات ذي رجَّعَها إلى موسى، في الحقيقةِ سبحان الله! كانَ المتبادرُ أنَّ هذا، أنه إشارةٌ إلى فعلِ القِتالِ والخُصومةِ، سبحان الله! هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ وابنُ جرير قال شيء؟
- طالب: ابنُ جرير يقول: وقوله: قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ يقولُ تعالى ذِكْره: قالَ موسى حينَ قتلَ القتيلَ: هذا القتلُ مِن تسبُّبِ الشيطانِ لي.

- الشيخ: بس، خلص، واضح، قلتُ: يُؤيِّدُ هذا قولَهُ على إثرِهَا: قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي واعتذارُهُ يومَ القيامةِ بأنه قتلَ نفساً لمْ يُؤمَرْ بقتلِها، قالَ: وَلَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ فَأَخَافُ أَن يَقْتُلُونِ [الشعراء:14] سبحان الله العظيم، سبحان الله العظيم.
- طالب: أحسنَ الله إليك في: "فتحُ القديرُ" للشوكانيّ قال: قِيلَ: لَمْ يَقْصِدْ مُوسَى قَتْلَ الْقِبْطِيِّ، وَإِنَّمَا قَصَدَ دَفْعَهُ، وَإِنَّمَا قَصَدَ دَفْعَهُ، فَأَتَى ذَلِكَ عَلَى نَفْسِهِ، وَلِهَذَا قَالَ: هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ

- الشيخ: أيش الي من عمل الشيطان؟
- طالب: وَإِنَّمَا قَالَ بِهَذَا الْقَوْلِ مَعَ أَنَّ الْمَقْتُولَ كَافِرٌ حَقِيقٌ بِالْقَتْلِ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ إِذْ ذَاكَ مَأْمُورًا بِقَتْلِ الْكُفَّارِ.
وقال هنا أيضاً: وَقِيلَ: إِنَّ الْإِشَارَةَ بِقَوْلِهِ {هَذَا} إِلَى عَمَلِ الْمَقْتُولِ لِكَوْنِهِ كَافِرًا مُخَالِفًا لِمَا يُرِيدُهُ الله.

- الشيخ: ما، ما يصلح.
- طالب: وَقِيلَ: إِنَّهُ إشارةُ إِلَى الْمَقْتُولِ نَفْسِهِ: يَعْنِي أَنَّهُ مِنْ جُنْدِ الشَّيْطَانِ وَحِزْبِهِ.

- الشيخ: لا إله إلا الله، لا، تبيَّنَ أنَّ المعنى الأول أنه يشيرُ إلى عملِهِ هو، وأنه غَلِطَ، ولهذا قالَ بعدَها: رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي
- القارئ: الذي هو القتلُ أحسنَ الله إليك؟
- الشيخ: إي، سبحان الله! ما كانَ يخطرُ ببالي أبداً إلا أنَّهُ إشارةٌ إلى فعلِ الـمُتقاتِلَيْنِ إنْكَاراً عليهِم.
ولمْ يذكروا، أقول: ما ذكروهُ قول إلى أنَّه إشارةٌ إلى فعلِ الطرفينِ، الرجلينِ؟
- طالب: لا، ما وجدتُ شيئاً.

- الشيخ: ما ذكرُوه، هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ، لو قالَ ذلكَ قبلَ القَتْلِ.
- طالب: قبلَ الوَكْز، نعم.

- الشيخ: إي، توجَّهَ هذا المعنى هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ سبحانَ اللهِ العظيم! لا إله إلا الله، لا حول ولا قوة إلا بالله .
 
info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله