بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
شرح كتاب (الموطّأ – كتاب الجهاد) للإمام مالك
الدّرس: التَّاسع
*** *** ***
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلامُ على أشرفِ الأنبياءِ والمُرسلين، نبيَّنا محمَّداً وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين، أمَّا بعدُ:
قالَ في موطَّأِ الإمامِ مالكٍ: بابُ التَّرْغِيبِ فِي الْجِهَادِ.
حدَّثَني يحيى عن مَالِكٍ، عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، إِذَا ذَهَبَ إِلَى قُبَاءٍ، يَدْخُلُ عَلَى أُمِّ حَرَامٍ بِنْتِ مِلْحَانَ، فَتُطْعِمُهُ، وَكَانَتْ أُمُّ حَرَامٍ تَحْتَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ –رضيَ اللّهُ عنهُ- فَدَخَلَ عَلَيْهَا رَسُولُ اللهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَوْماً، فَأَطْعَمَتْهُ، وَجَلَسَتْ تَفْلِي رَأْسَهُ، فَنَامَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، ثُمَّ اسْتَيْقَظَ، وَهُوَ يَضْحَكُ.
قَالَتْ: فَقُلْتُ: مَا يُضْحِكُكَ، يَا رَسُولَ اللهِ؟ فقَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي، عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، يَرْكَبُونَ ثَبَجَ هذَا الْبَحْرِ، مُلُوكاً عَلَى الْأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ» – يَشُكُّ إِسْحَاقُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ لَهُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فَدَعَا لَهَا. ثُمَّ وَضَعَ رَأْسَهُ، ثُمَّ نَامَ ثُمَّ اسْتَيْقَظَ يَضْحَكُ. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، مَا يُضْحِكُكَ؟ قَالَتْ: قَالَ: «نَاسٌ مِنْ أُمَّتِي عُرِضُوا عَلَيَّ غُزَاةً فِي سَبِيلِ اللهِ، مُلُوكاً عَلَى الْأَسِرَّةِ، أَوْ مِثْلَ الْمُلُوكِ عَلَى الْأَسِرَّةِ». كَمَا قَالَ فِي الْأُولَى. قَالَتْ: فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، ادْعُ اللهَ أَنْ يَجْعَلَنِي مِنْهُمْ. فقَالَ: «أَنْتِ مِنَ الْأَوَّلِينَ». قال: فَرَكِبَتِ الْبَحْرَ فِي زَمَانِ مُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ -رضيَ اللهُ عنهما-، فَصُرِعَتْ عَنْ دَابَّتِهَا حِينَ خَرَجَتْ مِنَ الْبَحْرِ، فَهَلَكَتْ)
– الشيخ : رضي الله عنها ورحمها، فازت بالشهادة.
– القارئ : وَحَدَّثني عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ السَّمَّانِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ –رضيَ اللّهُ عنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قَالَ: «لَوْلاَ أَنْ أَشُقَّ عَلَى أُمَّتِي، لأَحْبَبْتُ أَنْ لاَ أَتَخَلَّفَ عَنْ سَرِيَّةٍ تَخْرُجُ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَلَكِنِّي لاَ أَجِدُ مَا أَحْمِلُهُمْ عَلَيْهِ، وَلاَ يَجِدُونَ مَا يُحْمَلُونَ عَلَيْهِ.
– الشيخ : مَا يَحْمَلُونَ يَحْمَلُونَ.
– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، مَا يَحْمَلُونَ.
– طالب: في النسخة عندي (مَا يَتَحَمَّلُونَ)
– الشيخ : مَا يَحْمِلُونَ
– القارئ : … وَلاَ يَجِدُونَ مَا يَحْمِلُونَ عَلَيْهِ، فَيَخْرُجُونَ، وَيَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَتَخَلَّفُوا بَعْدِي، فَوَدِدْتُ أَنِّي أُقَاتِلُ فِي سَبِيلِ اللهِ، فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَى، فَأُقْتَلُ، ثُمَّ أُحْيَى، فَأُقْتَلُ».
– الشيخ : الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.
هذا من أدلِّ الأحاديثِ على فضلِ الجهادِ والشهادةِ في سبيلِ، الله أكبر نسأل الله أن يَنصر دينه ويعلي كلمته، ويقيم الجهاد الحقّ.
– القارئ : وَحَدَّثني عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ قَالَ: لَمَّا كَانَ يَوْمُ أُحُدٍ، قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-: (مَنْ يَأْتِينِي بِخَبَرِ سَعْدِ بْنِ الرَّبِيعِ الْأَنْصَارِيِّ) فَقَالَ رَجُلٌ: أَنَا، يَا رَسُولَ اللهِ. فَذَهَبَ الرَّجُلُ يَطُوفُ بَيْنَ الْقَتْلَى. فَقَالَ لَهُ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: مَا شَأْنُكَ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللهِ إِلَيْكَ، لِآتِيَهُ بِخَبَرِكَ. قَالَ: فَاذْهَبْ إِلَيْهِ، فَاقْرَئْهُ مِنِّي السَّلاَمَ. وَأَخْبِرْهُ أَنِّي قَدْ طُعِنْتُ ثِنْتَيْ عَشْرَةَ طَعْنَةً. وَأَنِّي قَدْ أُنْفِذَتْ مَقَاتِلِي. وَأَخْبِرْ قَوْمَكَ أَنَّهُ لاَ عُذْرَ لَهُمْ عِنْدَ اللهِ، إِنْ قُتِلَ رَسُولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وَوَاحِدٌ مِنْهُمْ حَيٌّ.
– الشيخ : رضي الله عنه، رضي الله عنه، الله أكبر، يقول هذا وهو على شفا الموت!
– القارئ : وَحَدَّثني عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ؛ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- (رَغَّبَ فِي الْجِهَادِ، وَذَكَرَ الْجَنَّةَ، وَرَجُلٌ مِنَ الْأَنْصَارِ يَأْكُلُ تَمَرَاتٍ فِي يَدِهِ، فَقَالَ: إِنِّي لَحَرِيصٌ عَلَى الدُّنْيَا إِنْ جَلَسْتُ حَتَّى أَفْرُغَ مِنْهُنَّ، فَرَمَى مَا في يَدِهِ، فَحَمَلَ سَيْفِهِ، فَقَاتَلَ حَتَّى قُتِلَ)
وَحَدَّثني عَنْ مَالِكٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ –رضيَ اللَّهُ عنهُ-، أَنَّهُ قَالَ: الْغَزْوُ غَزْوَانِ: فَغَزْوٌ تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ، وَيُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ، وَيُطَاعُ فِيهِ ذُوو الْأَمْرِ، وَيُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ، فَذلِكَ الْغَزْوُ خَيْرٌ كُلُّهُ.
وَغَزْوٌ لاَ تُنْفَقُ فِيهِ الْكَرِيمَةُ، وَلاَ يُيَاسَرُ فِيهِ الشَّرِيكُ، وَلاَ يُطَاعُ فِيهِ ذُوو الْأَمْرِ، وَلاَ يُجْتَنَبُ فِيهِ الْفَسَادُ، فَذلِكَ الْغَزْوُ لاَ يَرْجِعُ فِيْهِ صَاحِبُهُ كَفَافاً.
بَابُ مَا جَاءَ فِي الْخَيْلِ، وَالْمُسَابَقَةِ بَيْنَهَا، وَالنَّفَقَةِ فِي الْغَزْوِ.
– الشيخ : فَعُلِمَ أنَّ الجهاد لابُدَّ أنْ يكونَ الجهادُ قائماً على مقتضيات الشرع، من حيثُ التعامُلِ بينَ المجاهدين، ومع أمرائِهم وفيما وفي نفقاتهم.
كلُّ العبادات شرطها موافقةُ الأمر، الصلاة والزكاة والحج والجهاد كلّه مُقيَّد بهذين: الإخلاص ومتابعة الرسول عليه الصلاة والسلام.