هذا العملُ لا يجوزُ لكَ؛ لأنَّ المقصودَ منه مضارة المنافسين، وقد قال صلَّى الله عليه وسلَّم: (لَا ضَرَرَ ولا ضِرارَ)، وكونك -أيُّها التَّاجر- أوَّلَ مَن جلبه لا يحرِّم على غيرك جلبه مِن الخارج، لا شرعًا ولا عرفًا، ومِن المقرَّر عند الفقهاء تحريمُ خفضِ السّعر إذا كان يضرُّ بأهل السّوق، جاء في "المغني" لابن قدامة ما نصه: " كانَ مالك يقولُ: يقالُ لِمَن يريدُ أن يبيعَ أقلّ ممَّا يبيعُ النَّاس به: بِعْ كمَا يبيعُ النَّاسُ، وإلَّا فاخرجْ عنا". واحتجَّ له بِمَا روى الشَّافعي، وسعيد بن منصور، عن داود بن صالح التمار، عن القاسم بن محمد، عن عمر، أنَّه مرَّ بحاطب في سوق المصلَّى، وبين يديه غرارتان فيهما زبيبٌ، فسأله عن سعرهما، فسعَّر له مدَّين بكلِّ درهم، فقال له عمر: قد حُدِّثت بعِير مقبلة مِن الطائف تحمل زبيبًا، وهم يعتبرون بسعرك، فإمَّا أن ترفع في السّعر، وإما أن تدخل زبيبكَ فتبيعه كيف شئت، ثم قال ابن قدامة: ولأنَّ في ذلك إضرارًا بالنَّاس، إذا زادَ تبعه أصحابُ المتاع، وإذا نقصَ أضرَّ بأصحاب المتاع" اهـ.
ويستشهدُ لذلك بحديث نهي النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- عن طعام المتباريين، رواه أبو داود، قال ابن مفلح في الفروع (3/410): إسناده جيد، وقال ابن مفلح أيضا: ورواه في المختارة، وإسناده جيد، أي: نهى عن الأكل من طعامهما زجرًا لهما، نقول: ومِن جنسهما المتباريان في التَّخفيض في البيع؛ لأنَّ التَّباري في التَّخفيض يؤدِّي إلى إضرار كلٍّ مِن المتباريين بالآخر، بل الإضرار بنفسه.
ويجبُ أن يُراعى في ذلك أمران: القصدُ والقَدْر؛ فمَن أرادَ الإضرار حرُمَ، ومَن أرادَ التَّيسير ولم يترتَّب عليه إضرارٌ بأحد كانَ جائزًا، بل يكون فاعله مأجورًا لحسن قصده مِن غير إضرارٍ بأحد.
وفي ضوء ما تقدَّم يمكن أن يُقال: إنَّ التَّخفيض يمكن أن يكون حرامًا وجائزًا ومستحبًّا وواجبًا ومباحًا؛ فتجري فيه الأحكام الخمسة؛ فيحرمُ مع الإضرار أو قصده، ويجوزُ مع عدمه، ويستحبُّ تيسيرًا، ويجبُ إذا كان قيمة السّلع مرفوعة رفعًا يؤدي إلى غبن المشتري.
أملاه:
عبد الرَّحمن بن ناصر البرَّاك