الرئيسية/فتاوى/البسملة في سورة الفاتحة
share

البسملة في سورة الفاتحة

السؤال :

علمنا مِن علمائنا -جزاهم الله خيرًا- أنَّ الصَّلاة تصحُّ بغير ذكر البسملة؛ لأنَّها ليست آية مِن الفاتحة، ومع هذا فإننا نقرأ بقراءة عاصم بن أبي النجود، التي رواها عنه حفص، وقد أُثبتت البسملةُ آية مِن الفاتحة؛ فكيف جازَ لنا أن نقرأ بهذه القراءة، وأن نصحح صلاة مَن صلى بغير البسملة؟

 

الحمدُ لله؛ أجمع العلماء على أنَّ البسملة في سورة "النَّمل" مِن كتاب سليمان أنَّها آية من القرآن: وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ [النمل: 30]، وأمَّا البسملة التي في فواتح السُّور؛ فقد اختلفَ العلماءُ فيها على مذاهب:

فقيل: إنَّها آية مِن القرآن؛ ثم هل هي آية من كلّ سورة؟ أو آية مِن الفاتحة دون غيرها مِن السور؟ أو هي آية مستقلَّة أنزلت للإيذان بنزول السورة وافتتاح السورة بها؟

وقيل: ليست آية مِن القرآن؛ وإنَّما هي مِن ألفاظ الذّكر المستحب عند ابتداء القراءة بسورة مِن سور القرآن.

ولا ريب: أنَّها آية مِن القرآن، بدليل كتابة الصَّحابة لها في المصحف؛ فأظهرُ الأقوال أنَّها آية مستقلة، لا تدخل في عد آيات السورة، ولا الفاتحة، فالفاتحة سبع آيات بدونها.

ومن الدَّليل على أنَّ البسملة ليست آية مِن الفاتحة: حديث أنس في الصحيحين «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَانُوا يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بالْحَمْدُ لِله رَبِّ الْعَالَمِينَ»، وعند مسلم: «لَا يَذْكُرُونَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ فِي أَوَّلِ قِرَاءَةٍ وَلَا فِي آخِرِهَا»، [1] وهل ذلك لعدم قراءتها، أو للإسرار بها؟ قولان للعلماء، والأظهر: أنَّهم كانوا يسرّون بها، كالاستفتاح والتعوذ.

وأيضا ما ثبت في "صحيح مسلم"، من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، عن النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: قَسَمْتُ الصَّلاَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ، فَإِذَا قَالَ الْعَبْدُ: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ  [الفاتحة: 2] قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: حَمِدَنِى عَبْدِى…» الحديث، [2] ولم يذكر [3]، وقد نبَّه إلى ذلك شيخُ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-. [4]

    وقراءتُنا بقراءة حفص تقتضي أن نقرأ البسملة سرًّا أو جهرًا، وأما الحكم بوجوب قراءتها، أو عدم وجوبها في الفاتحة أو غيرها؛ فهي مسألة فقهية اجتهادية؛ فمَن يعدّها آية مِن الفاتحة يلزمه أن يقرأها، وإن تركها فقد ترك آية مِن الفاتحة، ومَن يُصحِّحُ الصَّلاةَ بدون قراءة البسملة لا يرى أنها آيةٌ مِن الفاتحة، وهو ما عليه مشايخُنا، وهو القول الصحيح؛ كما تقدم.

     وعدُّ البسملة آيةً في مصحف المدينة النبوية (المطبوع برواية حفص) مبني على رأي، وعددُ آيات كل سورة مما يختلف فيه أصحاب القراءات والرسم، ولا ريب أن سورة الفاتحة سبع آيات؛ لقوله تعالى: وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ [الحجر: 87]، وجاء في التفسير أن السبع المثاني آياتُ الفاتحة، وأولها: الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لما تقدم من الحديث القدسي، والآية الرابعة: إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ، وهي التي قالَ اللهُ فيها في الحديث القدسي: «هذا بيني وبين عبدي، ولعبدي ما سأل»، [5] والله أعلم.

 

قال ذلك:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في: 2 ذو القعدة 1431 هـ

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 [1]  أخرجه البخاري (743)، ومسلم (399)؛ من حديث أنس رضي الله عنه.
2 [2]  أخرجه  مسلم (395)؛ من حديث أبي هريرة  رضي الله عنه.
3 بسم الله الرحمن الرحيم
4 [3] ينظر : مجموع الفتاوى (22/ 438 وما بعدها) .
5 [4] أخرجه مسلم (395)؛ من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.