الحمدُ لله وحده، والصّلاة والسّلام على مَن لا نبي بعده؛ أمّا بعد:
فمعلوم أنّ تلاوة القرآن عن ظهر قلب لا تشترط لها الطّهارة مِن الحدث الأصغر، بل مِن الأكبر، ولكن الطّهارة لقراءة القرآن -ولو عن ظهر قلب- أفضل؛ لأنّه كلام الله، ومِن كمال تعظيمه: ألّا يُقرأ إلّا على طهارة.
وأمّا قراءته مِن المصحف فتُشترط لها الطّهارة؛ لِمَا جاء في الحديث المشهور: (لا يمسّ القرآنَ إلّا طاهرٌ)، ولِمَا جاء مِن الآثار عن الصّحابة والتّابعين، وإلى هذا ذهب جمهور أهل العلم، وهو أنّه يحرم على المحدث مسُّ المصحف، سواء كان للتلاوة أو غيرها.
والذي يظهر أنّ الجوال ونحوه مِن الأجهزة التي يسجل فيها القرآن ليس لها حكم المصحف؛ لأنّ حروف القرآن وجودها في هذه الأجهزة يختلف عن وجودها في المصحف، فلا توجد بصفتها المقروءة، بل توجد على صفة ذبذبات ورموز تتكون منها الحروف بصورتها عند طلبها، فتظهر على الشاشة وتزول بالانتقال إلى غيرها، وعليه فيجوز مسُّ الجوال، وكذا الشريط الذي سُجّل فيه القرآن، وتجوز القراءة مِن الجوال، ولو مِن غير طهارة، هذا هو المستقر عندي.
ولكن هاهنا تنبيه، وهو: أنّ القراءة في المصحف أفضل؛ لأنّ القرآن كلّه مكتوب فيه بحروف ظاهرة، وفي الاعتماد على قراءة الجوال دائمًا هجرٌ للمصحف، والقراءة مِن المصحف أقرب إلى تعظيم تلاوة القرآن؛ لأنّه أبعد عن التعلق بهذه الآلة، وهي الجوال، ومعلوم أنّه يسجل فيه القرآن وغيره مِن صور وفضول كلام، فيختلط فيه -حينئذ- الحقّ والباطل، وهذا يجعل القارئ مِن الجوال ينتقل منِ التلاوة إلى النظر فيما يتذكره مِن المقاطع المكتوبة أو المصورة أو الصوتية، أو ينتقل إلى البحث عن بعض المستجدات، أو الأخبار الطارئة والرسائل الوافدة؛ فلذلك كلّه كانت القراءة مِن المصحف أقرب إلى الخشوع والإقبال على التلاوة، وعدم الانقطاع عنها، فلا تعدل عن المصحف يا عبد الله. نفعنا الله بكتابه وفتح علينا بفهمه واتباعه، والله أعلم.
أملاه:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك
حرر في: 19-1-1438 هـ