الحمد لله، وصلى الله وسلم على محمد، أما بعد:
فما جاء في "كتاب العدة في فوائد حديث العمدة" عند حديث أبي جُحيفة، في الفائدة السابعة، [1] وهي أن النبي -صلى الله عليه وسلم-لم يجمع بين الظهر والعصر، وبعد النظر في الاستشكال الوارد من السائل تمت مراجعة شروح الحديث، فوجدنا الشرَّاح متَّفقين على أن الحديث ليس فيه أن النبي -صلى الله عليه وسلم- جمع بين صلاتي الظهر والعصر، وفي بعض الروايات التصريح بما يدل على أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى العصر في وقتها، وإليك ما قاله الحافظ ابن رجب في فتح الباري، قال رحمه الله: "حديث أبي جُحيفة قد يوهم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- صلى بالهاجرة الظهر والعصر، فجمَع بينهما في أول وقتهما وهو مقيم بمكة، ولم يستدل به أحد -فيما نعلم- على الجمع بين الصلاتين، وقد جاء في رواية للإمام أحمد: [2] "فصلى الظهر أو العصر" بالشك، ولكن رواية من قال: "بالهاجرة" يدل على أنه صلى الظهر بغير شك، وقد خرجه مسلم، ولفظه: "فتقدم، فصلى الظهر ركعتين، يمر بين يديه الحمار والكلب لا يُمنع، ثم صلى العصر ركعتين، ثم لم يزل يصلي ركعتين حتى رجع إلى المدينة"، [3] وهذا يدل على أنه إنما صلى العصر في وقتها.
وقد رواه حجاج بين أرطاة، عن عون بن أبي جُحيفة، عن أبيه، وقال فيه -بعد ذكر صلاة الظهر-: ثم حضرت العصر، فقام بلال فأذَّن، فصلى بنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ركعتين. خرجه من طريقه ابن سعد، [4] وهو صريح في أنه لم يجمع بين الصلاتين، وحجاج بن أرطاة، وإن كان متكلَّما فيه، [5] إلا أنه فقيه يَفهم معنى الكلام، فيُرجع إلى زيادته على من ليس له مثل فهمه في الفقه والمعاني" اهـ كلام ابن رجب. [6]
هذا، وأقول: إن ممَّا اعتمدت عليه في الفائدة السابعة ما عُلم من هديه -صلى الله عليه وسلم- في السفر من عدم الجمع إذا كان نازلًا، كما في منى وفي مكة في حجة الوداع، [7] وفي غير ذلك من أسفاره -صلى الله عليه وسلم-، فلم يكن يجمع إلا إذا جدَّ به السير، وجمع بعرفة ومزدلفة، [8] وربَّما جمع -صلى الله عليه وسلم- وهو نازل، لكن ذلك قليل، كما ذُكر ذلك في غزوة تبوك. [9] والله أعلم.
أملاه:
عبد الرحمن بن ناصر البراك
حُرر في 3 شعبان 1443هـ
الحاشية السفلية
↑1 | (ص126). |
---|---|
↑2 | برقم (18762). |
↑3 | برقم (530-249). |
↑4 | في الطبقات -ط الخانجي (1/269) |
↑5 | ينظر: ميزان الاعتدال-ت البجاوي- (1/458 رقم 1726). |
↑6 | (4/47-48). |
↑7 | أخرجه مسلم (1218) عن جابر رضي الله عنه. |
↑8 | أخرجه مسلم (1218) عن جابر رضي الله عنه. |
↑9 | أخرجه أحمد (22094)، وأبو داود (1208)، (1220)، والترمذي (553) وينظر كلام ابن القيم على هذه الحديث وهذه المسألة في: زاد المعاد – الرسالة- (1/477)، (1/481). |