الحمد لله، وصلى الله وسلم على محمد، أما بعد:
فمَن عمل لله عملًا من دعوة إلى الله وغيرها؛ فلا يطلب أجرة عمله إلا من الله، كما أمر الله رسوله -صلى الله عليه وسلم- أن يقول: لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا [الأنعام:90]، وكما قالت الرسل عليهم السلام لأقوامهم: وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِيَ إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء: 109]، وعلى هذا؛ فلا يجوز طلب الأجر حينئذ، وإن أُعطي مكافأة كهدية ونحوها من غير سؤال فالأولى ألَّا يأخذه، وعليه أن يستغني بثواب الله؛ فإن أخذ المكافآت والهدايا يفتح عليه باب التعلق بمنافع الدنيا، ممَّا يُضعِف إخلاص عمله لوجه الله، وأمَّا قول النبي -صلى الله عليه وسلم- لعمر: إذا جاءك من هذا المال شيء وأنت غير مُشرِف ولا سائل، فخذه، وما لا، فلا تُتبعه نفسَك [1] ، فالمراد به ما يُعطاه الإنسان لمحض نفعه، لا في مقابل طاعة عملها لله، لكن إذا كانت الطاعة تستلزم جهدًا بدنيًّا وتفرُّغًا يفوِّت عليه بعض مصالح دنياه؛ فله أن يأخذ ما يعطَى إعانةً له، ممَّا يمكِّنه من القيام بذلك العمل، كما ذكر الفقهاء في حكم تعليم القرآن، وكما ذكروا في حكم أخذ الأجرة على القُرَب، كالأذان والإمامة، واستثنوا من ذلك الرَّزق من بيت المال، فيجوز أخذه، والأولى تركه [2] ، فهذا ما تيسَّر من الجواب على سبيل الإجمال، وبه يتضح ما ورد في السؤال من مسائل تفصيليَّة بتطبيق الجواب المجمل عليها.
وممَّا ينبغي أن يُعلم في هذا المقام أنَّ ما وجب على الإنسان عينًا من فروض الكفايات لم يجز أخذ الأجر عليه، بل عليه أن يؤديه بمحض التقرب إلى الله. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 5 جمادى الآخرة 1444هـ