الحمد لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمد، أما بعد:
فلا يخفى أن اختلاف الفقهاء في عدِّ البسملة آيةً من الفاتحة أو ليست آيةً منها تابعٌ لاختلاف القُرَّاء، واختلافُ القُرَّاء واقعٌ في مواضع كثيرة من القرآن، ومنها البسملة في سورة الفاتحة[1]، ومن هذا الاختلاف نعلم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- أقرأ الفاتحة بعض أصحابه بالبسملة، وبعضَهم بدونها، وكما ذكرتَ -أيها السائل الكريم- عن شيخ الإسلام ابن تيمية أن البسملة آية من الفاتحة من جهة، وليست آية من جهة، بل رجَّح -رحمه الله- أن عدم عدِّها آيةً من الفاتحة أظهر، وهذا من ترجيح قراءة على قراءة، واستدل الشيخ بالحديث القدسي، وهو قوله تعالى: قسمتُ الصلاة بيني وبين عبدي نصفين، ولعبدي ما سأل، فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}، قال الله تعالى: حمدني عبدي الحديث[2]، ولم يذكر البسملة، فجعل الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هي الآية الأولى[3]، وبهذا نعلم أن هذه مسألة فقهية، فمن عدَّ البسملة آيةً من الفاتحة قال: لا تصحُّ الصلاة عنده إلا بها، وهو المشهور من مذهب الشافعي[4]، ومن قال: إنها ليست من الفاتحة قال: تصحُّ الصلاة دون قراءتها[5].
وأمام هذا الخلاف أقول: إن الأمر في هذه المسألة واسع، فمن قرأ البسملة وجهر بها فلا ينكر عليه، ومن لم يقرأها ولا سرًّا لا ننكر عليه، والأصحُّ عندي أن قراءتها سرًّا أحوطُ، وهو الموافق للسنة، كما جاء في حديث أنس، قال: “صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان فلم أسمع أحدًا منهم يقرأ: “بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ” ” متفق عليه، واللفظ لمسلم[6]، وهذا محمول على الغالب من فعله صلى الله عليه وسلم، وإلا فقد ورد أنه ربما جهر بالبسملة[7]. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 27 صفر 1445هـ
[1] ينظر: البيان في عد آي القرآن (ص139)، والفرائد الحسان في عد آي القرآن (ص27).
[2] أخرجه مسلم (399) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[3] ينظر: مجموع الفتاوى (22/276-278)، (22/349-351)، (22/438).
[4] ينظر: الأم (2/244)، والمجموع شرح المهذب (3/332) وما بعدها.
[5] ينظر: المغني (2/151).
[6] أخرجه البخاري (743)، ومسلم (399-50).
[7] ينظر: سنن الدارقطني (2/65)، وسنن البيهقي (3/414)، وقال ابن تيمية: ” لم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يجهر بها، وليس في الصحاح ولا السنن حديث صحيح صريح بالجهر، والأحاديث الصريحة بالجهر كلها ضعيفة، بل موضوعة؛ وهذا لما صنف الدارقطني مصنفًا في ذلك قيل له: هل في ذلك شيء صحيح؟ فقال: أما عن النبي صلى الله عليه وسلم فلا، وأما عن الصحابة فمنه صحيح ومنه ضعيف ” مجموع الفتاوى (22/275-276).