الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فمن المعلوم بالضرورة شرعًا وعقلًا أن الله خالق كلِّ شيء من الأعمال والأقوال والذَّوات والصفات، لكن لا يدخل في ذلك أسماء الله وصفاته، خلافًا للمعتزلة القائلين بأن كلام الله مخلوق، والقرآن مخلوق[1]، مستدلين بقوله تعالى: اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ [الرعد: 16]، ثم تناقضوا، فأخرجوا أفعال العباد عن أن تكون مخلوقة لله، بل هي عندهم خلق للعباد، وهذا باطل[2]، وأمَّا الإيمان فهو لفظ مجمل، قد يراد به ما يقوم بالقلب من التصديق، وما يتبعه من أعمال القلوب وأعمال الجوارح، وهذه كلُّها مخلوقة، وقد يراد بالإيمان ما يجب الإيمان به من أسماء الله وصفاته، ومعلومٌ أن ذلك ليس بمخلوق، وممَّا يدل على إطلاق الإيمان مرادًا به المؤمَنُ به قوله تعالى: وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ [المائدة: 5]، فتبيَّن ممَّا تقدَّم أنه لا يجوز إطلاق القول بأن الإيمان مخلوق أو غير مخلوق؛ لما في ذلك من الاحتمال والإجمال، فيجب عند هذا الاستفصال ممَّن تكلم بذلك؛ ليتبيَّن حكمُه من الخطأ والصواب، بعد معرفة مراده في ضوء ما تقدم[3].
وأمَّا النور الذي يجعله الله في قلب المؤمن -ولا أقول: (يقذفه)-؛ فالأظهر أن المراد به ما يجعله الله في قلب العبد من التَّصديق، وما يثمره ذلك من حقائق الإيمان من الحُبِّ والخوف والرجاء والتوكل، فيصدُق عليه أنه مخلوق، كما تقدَّم في الإيمان. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 23 جمادى الأولى 1446هـ
[1] ينظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي (ص528) وما بعدها.
[2] ينظر: شرح الطحاوية لابن أبي العز (1/178).
[3] ينظر: الإبانة لابن بطة (6/297)، وفتاوى أهل الرحبة لابن تيمية ضمن جامع المسائل (7/76).