الرئيسية/فتاوى/هل يكره طلب الدواء من الطبيب قياساً على كراهية الاسترقاء

هل يكره طلب الدواء من الطبيب قياساً على كراهية الاسترقاء

السؤال :

إذا أصيب الإنسان بعارض نفسي فيُكره له طلبُ الرّقية مِن غيره، وإذا أُصيب بمرض بدني، فهل يُكره له طلبُ الدَّواء مِن الطبيب؟ وإن كان الجواب بعدم الكراهة، فما الفرق بينهما؟ جزاكم الله خيرًا.

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فقد استفاضت السُّنة بالنَّهي عن سؤال الناس، كما أوصى النبي -صلى الله عليه وسلم- جماعة من أصحابه وصايا، ومنها: ألَّا يسألوا الناس شيئًا، حتى إنَّ أحدهم كان يقعُ سوطُه وهو راكبٌ فلا يقول لأحد: ناولنِيه حتى ينزل فيأخذه؛ محافظةً على وصية النبي -صلى الله عليه وسلم-[1]، وبهذا علَّل العلماء كراهة الاسترقاء، لأنه سؤال كما تدلُّ عليه السين والتاء[2]، ففرَّقوا بين الرُّقية والاسترقاء؛ فلا كراهة في الرقية كأن يرقي الإنسان نفسه أو يرقيه أخوه دون سؤال، ولهذا ضعَّف العلماء رواية لا يرقون[3]، وأما التداوي فالأصل فيه قوله -صلى الله عليه وسلم-: تداووا ولا تداووا بحرام رواه أبو داود عن أبي الدرداء -رضي الله عنه-[4]، وفي حديث أم سلمة -رضي الله عنها- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: إنَّ الله لم يجعلْ شفاءكم فيما حرَّم عليكم أخرجه البيهقي[5] وصححه ابن حبان[6]، وله شاهدٌ عن ابن مسعود[7] عند البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم[8].

إذا عُلم هذا فأقول: إنَّ سؤال الطبيب التَّبرعَ بعلاج المريض سواء أكان مرضه بدنيًّا أم نفسيًّا هو من سؤال الناس المكروه، أما إذا كان الطبيب مستعدًّا لتطبيب الناس بأجرٍ؛ فاستئجاره للكشف على المريض وعلاجُه ليس من السؤال المذموم؛ كالاستفادة من أيِّ صاحب حرفة بأجر؛ كالخياطة والنِّجارة، ويمكن أن نقول مثل ذلك في الراقي الذي يرقي الناس بالأجر؛ فإنَّ ذلك كلَّه ليس فيه مذلَّة ولا مِنَّة، فلا يدخل في معنى مسألة الناس، وبهذا يتبيَّن ألَّا فرقَ بين الاسترقاء والاستطباب؛ فمدار الحكم على المسألة. والله أعلم.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 2 جمادى الآخرة 1446هـ

 

[1] أخرجه مسلم (1043) من حديث مالك بن عَوف الأشجعي رضي الله عنه.

[2] ينظر: شرح شافية ابن الحاجب لركن الدين الأستراباذي (1/264).

[3] لشذوذها ونكارتها: فهي شاذة سندًا؛ لتفرُّد سعيد بن منصور، فغيَّر الحديث، فزاد وأنقص؛ زاد “لا يرقون”، وأسقط “لا يكتوون” خلافًا لرواية الجماعة، ومنكرة متنًا؛ لكون النبي رقى نفسه ورقى غيره، والراقي محسن إلى غيره. وينظر: قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة -ت الأرناؤؤط- (ص65-66)، (ص205)، والضعيفة للألباني (3690).

[4] أخرجه أبو داود (3874)، والبيهقي (19713)، وأخرجه الدولابي في الكنى (1315)، وصححه الألباني في الصحيحة (1633).

[5] في السنن الكبير (19711).

[6] بترتيب ابن بلبان (1391).

[7] موقوفًا عنه.

[8] كما في كتاب الأشربة، باب شراب الحلواء والعسل، عند حديث (5614)، ووصله ابن أبي شيبة في المصنف -ت الشثري- (25036)، وقال ابن حجر في فتح الباري (10/79): “سنده صحيح على شرط الشيخين”. وينظر: تغليق التعليق (5/29-31).