الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فأقول: نعم؛ إني أرى ذلك، وأفعله أحيانًا في الصَّلاة في الآية الثالثة من سورة الفاتحة، فأقرأ مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:4] على قراءة نافع وابن عامر وغيرهما[1]، لكني أقول: إنَّ ذلك جائز، وهو الجمع بين القراءات، مالم يترتب عليه إشكالٌ في ترتُّب المعاني بين الآيات، أو فساد المعنى في الآية الواحدة؛ كمن يقرأ: فَتَلَقَّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِمَاتٍ [البقرة:37] بالرفع فيهما أو بالنصب، آخِذًا رفعَ (آدم) من قراءة غير ابن كثير، ورفعَ (كلمات) من قراءة ابن كثير[2]، أو إشكالٌ عند المستمعين الذين اعتادوا قراءة من القراءات، ولا يعرفون تعدُّد القراءات.
وهذا الذي رأيتُه هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-[3]، فقد سُئل عن رجل يصلي بقوم، وهو يقرأ بقراءة الشيخ أبي عمرو، فهل إذا قرأ لورش أو لنافع باختلاف الروايات -مع حمله قراءته لأبي عمرو- يأثم، أو تنقص صلاته، أو تُردّ؟ فأجاب: “يجوز أن يقرأ بعضَ القرآن بحرف أبي عمرو، وبعضَه بحرف نافع، وسواء كان ذلك في ركعة أو ركعتين، وسواء كان خارج الصلاة أو داخلها. والله أعلم” اهـ. من مجموع الفتاوى[4].
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 3 جمادى الآخرة 1446هـ
[1] وهي قراءة الجمهور، واختارها الطبري. ينظر: المبسوط في القراءات العشر (ص86)، وتفسير الطبري (1/151).
[2] ينظر: المبسوط في القراءات العشر (ص129).
[3] ووجَّه شيخنا -سدده الله- كلامًا آخر لشيخ الإسلام في مجموع الفتاوى (13/14) وفيه: “وأما جمعها (أي: القراءات السبع) في الصلاة أو في التلاوة فهو بدعة مكروهة”، فقال شيخنا: مراده ما يفعله بعض القرَّاء فيقرأ الكلمة الواحدة، ويعيدها ويكررها بقراءات مختلفة.
[4] (22/445). وينظر: أحكام القرآن لابن العربي (2/613)، والنشر في القراءات العشر (1/18-19).