الرئيسية/فتاوى/هل ترك زيارة قبر الوالدين يعد تقصيراً في حقهما؟

هل ترك زيارة قبر الوالدين يعد تقصيراً في حقهما؟

السؤال :

إذا توفي الوالدان أو أحدهما، وكان الابن يتعاهدهما بالدعاء في كل صلاة، وربما تصدَّق عنهما في بعض مواسم الخير، لكنه لا يزور قبريهما، فهل يُعدُّ هذا تقصيرًا منه؟ أو أن المقصود الدعاء وقد حصل؟

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فإنَّ أبواب البر والإحسان إلى الوالدين كثيرة؛ فينبغي لمن أراد البِرَّ أن يضرب في كل باب من أبواب الخير بسهم، ومِن ذلك زيارة قبرَي الوالدين، كيف وقد استأذن النبي -صلى الله عليه وسلم- ربَّه في أن يزور قبر أمِّه، فأذن له؟! واستأذن ربَّه في أن يستغفر لها فلم يأذن له[1]، وفي زيارة قبري الوالدين مزيد تذكُّر، ولا ريب أن الدعاء عند زيارة قبورهما أبلغ؛ لما يقع في القلب من تذكُّرهما، إضافةً إلى ما يحصل مع ذلك من زيارة قبور المسلمين حولهما والدعاء لهم؛ بل إنَّ زيارة قبر الحبيب أمرٌ معروفٌ عند العرب، قال جرير في رثاء زوجته:

لولا الحياءُ لعادني استعبارُ                ولَزُرتُ قبرَكِ والحبيبُ يزارُ[2]

وقال لسان الخطيب ابن الدين الخطيب[3] لما زار قبر المعتمد بن عبَّاد[4]:

قد زرتُ قبركَ عن طوعٍ بأَغْماتِ               رأيتُ ذلكَ من أُولى المهمَّاتِ[5]

وقد بدا لي أن يجعل الزائر لقبر أمِّه نوبةً زائدة عملًا بقول النبي -صلى الله عليه وسلم- في برِّ الوالدين؛ إذْ خصَّ الأمَّ بثلاث[6]، غفر الله لنا ولوالدينا ولجميع المؤمنين والمؤمنات. والله أعلم.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 28 جمادى الآخرة 1446هـ

 

[1] أخرجه مسلم (976) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.

[2] ينظر: ديوان جرير بشرح محمد بن حبيب (2/862).

[3] ‌محمد ‌بن ‌عبد ‌الله ‌بن ‌سعيد ‌السلماني قرطبي الأصل ثم نزل سلفه طليطلة ثم لوشة ثم غرناطة، وُلد سنة (713)، استوزره سلطانها أبو الحجاج يوسف بن إسماعيل ثم ابن محمد. وبعد وشايات أُدخل السجن وظل فيه حتى وفاته، له مؤلفات منها: “الإحاطة في تاريخ غرناطة”، و”التاج المحلى في أدباء المئة الثامنة”، توفي سنة (776). ينظر: نفح الطيب (5/7)، والدرر الكامنة (5/213).

[4] محمد بن عبَّاد بن محمد بن إسماعيل اللخمي، أبو القاسم، المعتمد على الله: صاحب إشبيلية وقرطبة وما حولهما، كان فارسًا شجاعًا، وعالمًا أديبًا، وذكيًّا شاعرًا، ومحسنًّا جوادًا، ولد سنة (431)، وتوفي سنة (488). ينظر: وفيات الأعيان (5/21)، وسير أعلام النبلاء (19/58).

[5] ينظر: نُفاضة الجراب في عُلالة الاغتراب-ت أحمد العبادي- (2/57).

[6] أخرجه البخاري (5971)، ومسلم (2548) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.