الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فمسألة تغطية المرأة المحرِمة وجهها، المشهور عند الفقهاء: أنه ليس للمرأة أن تغطي وجهها إلا إذا كانت بحضرة رجال أجانب، ويستشهدون لذلك بما رواه أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها-: “كان الركبان يمرون بنا، ونحن مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مُحْرِمات، فإذا حاذَوْا بنا سَدَلتْ إحدانا جلبابها مِن رأسِها على وجهها فإذا جاوزُونا كشفناه” [1]، ولهذا يقول الفقهاء: إن إحرام المرأة في وجهها[2]، ولكن يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: “إن النبي -صلى الله عليه وسلم- سوَّى بين وجهها ويديها[3]، وكلاهما كبدن الرجل لا كرأسه”[4].
وقول شيخ الإسلام: “كبدن الرجل”، هو ما دلَّ عليه قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث ابن عمر: ولا تنتقب المرأة المُحْرِمَةُ، ولا تلبس القفَّازين[5]، ومعنى أن وجهها كبدن الرجل أنه يغطَّى بكل شيء إلا ما جاء النص بمنعه؛ كالسراويل والقميص في الرَّجل، وكذلك المرأة تغطي وجهها بما شاءت إلا النقاب والقفَّازين.
وقوله: “لا كرأسه”، يريد أن المرأة غير منهية عن تغطية وجهها، كما ينهى الرجل عن تغطية رأسه.
إذا عُلم هذا فالحجاب المسؤول عنه إن كان يخاط خِصيصًا للوجه -وهو الظاهر- فلا يجوز، وإن كان يُفعل اتفاقًا بأيِّ حجاب فلا بأس به. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 8 رمضان 1446هـ
[1] أخرجه أحمد (24021)، وأبو داود (1833) – واللفظ له-، وابن ماجه (2935)، قال ابن خزيمة في صحيحه (2691): “” وقد روى يزيد بن أبي زياد -وفي القلب منه- عن مجاهد، عن عائشة..” فذكره بنحوه، وقال ابن حجر في الفتح (3/406): “في إسناده ضعف”، وقال الألباني في جلباب المرأة المسلمة (ص 107-108 رقم 4): “وسنده حسن في الشواهد”، وينظر: نصب الراية (3/93)، وإرواء الغليل (1023)، (1024).
[2] ينظر على سبيل المثال: الحاوي الكبير (4/93)، والاستذكار (4/14)، والمغني (5/154).
وروي حديثٌ عن ابن عمر مرفوعًا. أخرجه الدارقطني (2761)، إلا أن البيهقي رواه من طريق الدارقطني بالإسناد نفسه موقوفًا في السنن الكبير (9120)، وهو ما صوَّبه الدارقطني نفسه في العلل (2938)، وأخرجه البيهقي (9121) عن أيوب بن محمد أبو الجمل مرفوعًا، وقال: ” وأيوب بن محمد أبو الجمل ضعيف عند أهل العلم بالحديث، قد ضعفه يحيى بن معين وغيره، وقد روى هذا الحديث من وجه آخر مجهول عن عبيد الله بن عمر مرفوعًا، والمحفوظ موقوفٌ”. وينظر: نصب الراية (3/27)، والبدر المنير (6/328).
[3] في مناسك الحج: “ويدها”.
[4] مناسك الحج (ص49)، وضمن مجموع الفتاوى (26/112).
[5] أخرجه البخاري (1838) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما، وأخرجه مسلم (1177) دون هذه الجزء وهو موضع الشاهد. وأشار البخاري إلى صحة هذه الزيادة، وذكر اتفاق جماعة من الثقات عليها، خلافًا لابن حجر في فتح الباري (4/53) فرجَّح أنها هذه الزيادة: ” ولا تنتقب المحرِمَة ولا تلبس القفَّازين” موقوفةٌ على ابن عمر. وينظر: إرواء الغليل (10/12).