الرئيسية/فتاوى/حكم من أنكر وجود الجن والشياطين أو تأول ذلك بقوى الشر

حكم من أنكر وجود الجن والشياطين أو تأول ذلك بقوى الشر

السؤال :

أحسن الله إليكم، ما حكم مَن أنكر وجود الجنّ والشياطين، وأوّل ذلك بقوى الشَّر المعنوية، أو بهذه الجراثيم الموجودة في الأرض؟ وبارك الله فيكم.

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين؛ أما بعد:

فقد أخبر الله عن خلْقِ الجنّ مِن نار، وأخبر عن حكمته في خلقه؛ قال تعالى: وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ -أي: قبل خلق الإنسان- مِنْ نَارِ السَّمُومِ [الحجر: 27]، وقال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ [الذاريات: 56].

 وأخبر تعالى أنهم كالناس: منهم المؤمن والكافر؛ فالمؤمنون يدخلون الجنة وينعمون فيها، والكافرون يدخلون النار ويعذبون فيها؛ قال تعالى في المؤمنين منهم: وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ [الرحمن: 46-47]، والخطاب للجن والإنس[1]، وهو كثير في سورة الرحمن، وقال في الكفار منهم مع الإنس: وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ [هود: 119]، وأخبر أنه صرف نفرًا من الجن إلى الرسول –صلى الله عليه وسلم- يستمعون القرآن ثم ذهبوا إلى قومهم منذِرين.

 فدل ذلك كله على أن الجن موجودون، وأنهم مكلَّفون ومجزيون على أعمالهم حَسَنَها وسيئها، كما دلت هذه الآيات على أنهم أشياء حقيقية قائمون بأنفسهم؛ يذهبون ويجيئون، ويصعد منهم إلى السماء لاستراق السمع كما في سورة الجن والحجر والصافات، وهؤلاء هم شياطين الجن. كما يشهد الواقع المشاهد على وجودهم وتمثُّلِهم.

 وبناء على ما سبق: فمَن جحد وجودهم كفرَ لأنه مكذِّب للقرآن، وكذا مَن زعم أن شياطين الجن هم قِوى الشر في الإنسان، والصالحون منهم قِوى الخير، ومن يقول بذلك لم يثبت وجود الجن  لأنه جعلهم صفات معنوية قائمة بغيرها، وهو خلاف ما دل عليه القرآن؛ فالمتأولون للجن بقوى الخير والشر هم في حقيقة أمرهم جاحدون، وهم بهذا الجحد كافرون، وقد نَسب شيخ الإسلام ابن تيمية هذا القول إلى الملاحدة من المتفلسفة، ومن قال بقولهم من الملاحدة أصحاب “رسائل إخوان الصفا” وقد تبعهم على ذلك بعض المتكلمين[2]، وقد دلَّت السُّنة على أن الجني قد يتمثل بالإنسان كما في قصة الشيطان الذي تمثل بصورة إنسان، وجاء يحثو من تمر الصدقة الذي وكل بحفظه أبو هريرة فأخذه أبو هريرة فاستعطفه ليخلي سبيله، وذكر حاجة وعيال، ويعده أنه لا يعود فخل سبيله فعل ذلك ثلاث مرات، وفي كل مرة يخبر أبو هريرة النبي –صلى الله عليه وسلم- فيقول له النبي: كذبك، وسيعود[3]، ومن ذلك تمثل الشيطان يوم بدر للمشركين بسراقة بن مالك كما جاء في تفسير قوله تعالى: وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ.. [الأنفال: 48] الآية[4]، وأما تأويلهم بالجراثيم فهو قول الجهلة الضلال من أطباء هذا العصر[5]، والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في يوم الخميس الحادي والعشرين من شهر شعبان من عام ستة وأربعين وأربعمئة وألف.

 

[1] يشير شيخنا -حفظه الله- إلى مسألة ثواب مؤمني الجن في الآخر، والصحيح أن المؤمن منهم يدخل الجنة. ينظر: طريق الهجرتين (2/910)، وعالم الجن في ضوء الكتاب والسنة (ص237-249).

[2] مجموع الفتاوى (4/346)، (19/10)، وينظر: عالم الجن في ضوء الكتاب والسنة (ص108-112).

[3] علقه البخاري مجزومًا به في كتاب الوكالة، ‌‌باب: إذا وَكَّلَ رجلًا فترك الوكيل شيئا فأجازه الموكل فهو جائز وإن أقرضه إلى أجل مسمى جاز، عند حديث (2311)، ووصله النسائي في الكبرى (10729)، وصححه ابن خزيمة (2424). وينظر: تغليق التعليق (3/295).

[4] ينظر: تفسير الطبري (11/220).

[5] ونأثر بهم بعض الكتَّاب. ينظر: تفسير المنار (3/80-81)، (7/266)، (8/324).