الرئيسية/فتاوى/الرد على من زعم أن القرآن نزل على الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم

الرد على من زعم أن القرآن نزل على الأنبياء قبل نبينا صلى الله عليه وسلم

السؤال :

فضيلة الشيخ: سئل أحد الدعاة: كيف صلى النبي -صلى الله عليه وسلم- بالأنبياء في بيت المقدس وهم لا يعرفون الصلاة والقرآن؟

فكان من جملة جوابه: أن القرآن نزل على الأنبياء قبل النبي -صلى الله عليه وسلم- بلغاتهم، باستثناء الفاتحة وخواتيم البقرة، واستدل على ذلك بقوله عز وجل إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى [الأعلى: 18]، وبالحديث: أبشر بنورين لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب وخواتيم البقرة، وكذلك استدل بقوله تعالى: وَأَنْزَلَ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (3) مِنْ قَبْلُ هُدًى لِلنَّاسِ وَأَنْزَلَ الْفُرْقَانَ [آل عمران: 3-4]، قائلاً: “والفرقان الذي أنزله الله على موسى هو نفسه القرآن..”، فهل ما ذكره هذا المجيب صحيح؟

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فقول هذا الداعية المسؤول: إن القرآن نزل على الأنبياء قبل محمد -صلى الله عليه وسلم- قولٌ باطلٌ منكرٌ،  لم يسبقه إليه أحد، ولهذا لم يعتضد هذا المتكلم بأحد من السلف من الصحابة ولا من التابعين، وأما ما استدل به على دعواه من الآيات؛ فإن الآيات المذكورة لا تدل على مراده، وهو مخطئ في فهمها وتأويلها، فأما الفرقان في آية “آل عمران” فليس المقصود القرآن بسُوَره وآياته، بل المراد الفرقان بين الحق والباطل[1]، وهذا قد جاء به جميع الأنبياء؛ فكلٌّ منهم فرَّق الله به بين الحق والباطل، وبين أهل الحق وأهل الباطل؛ فالفرقان الذي أوتيه موسى، لم يقل أحد من المفسرين: إن المراد به القرآن المنزل على محمد -صلى الله عليه وسلم-، بل تفسيره بذلك من تحريف الكلم عن مواضعه.

وأما قوله تعالى في سورة الأعلى: إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الْأُولَى (18) صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى [الأعلى: 18-19] فليس المراد أن القرآن نصّه في صحف إبراهيم وموسى، بل المراد أن صحف إبراهيم وموسى قد تضمَّنت معنى سورة الأعلى[2]، ولم يقل أحد من المفسرين في هذه الآية ما زعمه ذلك المدعي أن المراد القرآن، إلا أن يكون المراد ذكرَه والإخبارَ عنه، كما قال تعالى عن القرآن: وَإِنَّهُ أي: القرآن لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: 196]، أي: في كتب الأنبياء[3]، أي: فيها ذكر القرآن والخبر عنه، وعن الذي سينزل عليه، وهو محمد صلى الله عليه وسلم[4].

نعم؛ القرآن نصُّه مكتوب في اللوح المحفوظ، كما قال تعالى: بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ (21) فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ [البروج: 21-22].

فهذا المسؤول عليه أن يراجع كلام المفسرين، وأن يتوب إلى الله من دعواه؛ فإن هذه الدعوى تفتح بابًا للطاعنين على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بأنه تلقى القرآن من أهل الكتاب. والله أعلم.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 24 رمضان 1446هـ

[1] ينظر: تفسير الطبري (5/182)، وابن كثير (2/5).

[2] ينظر: تفسير الطبري (24/323)، وابن كثير (8/383).

[3] ينظر: المفردات في غريب القرآن (ص377).

[4] ينظر: تفسير الطبري (17/644)، وابن كثير (6/163).