الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فما فعله أبو الأسود الجُرَشِيُّ من مسح وجهه وعينيه بيد واثلة بن الأسقع -رضي الله عنه-، هو من التبرك بالنبي -صلى الله عليه وسلم- بجسده الشريف وما لامس جسدَه، وشواهد ذلك من سيرة الصحابة مع النبي -صلى الله عليه وسلم- كثيرة؛ فقد كان إذا توضأ -عليه الصلاة والسلام- كادوا يقتتلون على وَضوئه- وهو ما تساقط من الماء من أعضاء وُضوئه[1]– كما في قصة صُلح الحديبية[2]، بل كانوا يتبركون بنُخَامِه[3] وبعرقه[4] -صلى الله عليه وسلم-؛ لما جعل الله فيه من البركة العظيمة، وكان النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرُّهم على ذلك، وما كان الصحابة -رضوان الله عليهم- يفعلون شيئًا من ذلك مع غيره، لا مع أبي بكر ولا مع عمر، ولا مع الحسن ولا مع الحسين، ومَن قال مِن أهل العلم: إنه يستحب التبرك بآثار الصالحين[5]، فقوله مرجوح ضعيف، بل ذلك من خصائصه -صلى الله عليه وسلم-[6]، وأكثر من يفعل ذلك مع النبي -صلى الله عليه وسلم- عامّة الصحابة، دون خواصِّهم؛ كأبي بكر وعمر -رضي الله عنهم-، ولعل ذلك لما بوَّأهم الله من المنزلة العالية في الإيمان والتقوى، فلا يحتاجون إلى هذا النوع من الخير، وهو التبرك بآثاره عليه الصلاة والسلام. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 9 شوال 1446ه
[1] الوَضوء، بالفتح: الماء الذي يُتوضأ به. والوُضوء، بالضم: التوضؤ، والفعل نفسه. ينظر: النهاية في غريب الحديث والأثر (5/ 195).
[2] كما عند البخاري (2731-2732) من حديث المِسْوَر بن مَخْرَمَة رضي الله عنه، والتبرك بالوَضوء جاء أيضًا في حديث أبي جُحيفة، كما في البخاري (187)، ومسلم (503).
[3] كما في قصة الحديبية، وفيه قول عروة بن مسعود: ” فوالله ما تنخَّم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نخامة إلا وقعت في كفِّ رجلٍ منهم، فدلك بها وجهه وجِلده”، وقد تقدم آنفًا.
[4] كما عند البخاري (6281)، ومسلم (2331) من حديث أنس بن مالك رضي الله عنه.
[5] ينظر: شرح صحيح مسلم للنووي (1/244)، (4/219)، (7/3)، وفتح الباري (1/569)، (3/129-130)، (3/139).
[6] ينظر: الاعتصام (2/302-303)، والحِكم الجديرة بالإذاعة لابن رجب -ط المكتب الإسلامي- (ص55).