الحمد لله وحده وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فقد دلَّ كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- على أن الحسنات يذهبن السيئات، كما جاء ذلك في شأن الصلوات الخمس والجمعة ورمضان[1]، كما دلَّ القرآن والسنة على أن السيئات تحبط الحسنات، وأعظم ذلك الشرك؛ فإنه يحبط جميع الأعمال، ولا يصلح معه عمل، قال تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [الزمر: 65]، وقال: وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [الأنعام: 88]، وفي حكم الشرك أنواع الكفر، كما هو مقرر في باب حكم المرتد[2]، ومن كبائر الذنوب ما يحبط العمل، كترك صلاة العصر، كما ذكر السائل في حديث بريدة الذي أخرجه البخاري[3]: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله، ومن ذلك الجهر للنبي -صلى الله عليه وسلم- في مخاطبته، قال تعالى: وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ [الحجرات: 2].
وكذلك بعض كبائر الذنوب، كأكل الربا، قال تعالى وَمَنْ عَادَ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 275]، ومن ذلك قول عائشة -رضي الله عنها- لأمِّ ولد زيد بن أرقم لما فعل زيد معاملة ربوية: “أخبري زيدًا أن جهاده مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بطل إلا أن يتوب” رواه عبد الرزاق في “المصنف” والبيهقي في “السنن”[4].
وحبوطُ العمل بالذنب هو من أنواع العقوبة عليه، كما أن ذهاب السيئات بالحسنات من أنواع الثواب عليها، والحسنات والسيئات ضدَّان يدفع أحدهما الآخر، وفي هذا الحذر من اقتراف السيئات، والاجتهاد بفعل الحسنات.
وكلما عظُمت الحسنة عظُم ثوابها، وكلما عظُمت السيئة عظُمت عقوبتها. نسأل الله أن يهدينا لفعل الحسنات واجتناب والسيئات؛ إنه تعالى ولي ذلك والقادر عليه. والله أعلم[5].
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 10 شوال 1446هـ
[1] أخرجه مسلم (233) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[2] ينظر: شرح أربعة من المؤلفات المختصرة للإمام محمد بن عبد الوهاب لشيخنا (ص226) وما بعدها.
[3] برقم (553).
[4] أخرجه عبد الرزاق في المصنف (14812)، والبيهقي في السنن الكبير (10900)، والدارقطني (3002)، (3003) بنحوه، قال ابن عبد الهادي في تنقيح التحقيق (4/ 69): “إسناده جيد”، وقوَّاه ابن القيم في تهذيب السنن (2/457)، (2/ 469). وينظر: معرفة السنن والآثار (8/136)، ونصب الراية (4/15).
[5] ينظر: مجموع الفتاوى (10/321-322)، (10/638)، ومدارج السالكين (1/430-433).