الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:
فقد سبق مني فتوى في حكم (التعريف) المعروف، وهي منشورة[1]، وذكرت فيها ما أرى أنه الصواب، وأشرت إلى قول شيخ الإسلام رحمه الله[2]، وإلى الخلاف في ذلك، وأنا لا أزال على هذا، وأنه لا يجوز قصد المسجد عشية عرفة، تشبُّها بأهل عرفة، لا من فرد ولا من جماعة[3]؛ حتى مَن كانت عادته في سائر الأيام الجلوس في المسجد بعد العصر، فلا أرى أن يجلس في اليوم التاسع؛ حتى لا يُظنَّ به أنه قصد التعريف، ولئلا يُقتدى به[4]؛ فالواجب لزوم السنة، والبعد عن البدعة، ما أمكن؛ لقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ [التغابن: 16]، وعلى هذا فلا يشترط لكون الفعل من التعريف المختلفِ فيه الاجتماعُ، بل قصْد المسجد عشية عرفة هو تعريفٌ، من فرد كان أو جماعة. والله أعلم.
أملاه:
عبدالرحمن بن ناصر البراك
حرر في 4 ذي الحجة 1446ه
[1] وهي بعنوان: “حكم التعريف بغير عرفة للأمصار”، وحررها شيخنا في التاسع من ذي الحجة عام واحد وأربعين وأربع مئة وألف.
[2] ينظر: اقتضاء الصراط المستقيم (2/159-153).
[3] ينظر: الحوادث والبدع (ص126)، والمجموع شرح المهذب (8/117).
[4] ولهذا قال مالك بن أنس: ” ولقد رأيت رجالًا ممن اقتدي بهم يتخلفون عشية عرفة في بيوتهم”. وقال: ” وإنما مفاتيح هذه الأشياء من البدع، ولا أحب للرجل الذي قد علم أن يقعد في المسجد في تلك العشية؛ مخافة أن يقتدى به، وليقعد في بيته”. وقال الحارث بن مسكين: ” كنت أرى الليث بن سعد ينصرف بعد العصر يوم عرفة، فلا يرجع إلى قرب المغرب “. وكان أبو وائل لا يأتي المسجد عشية عرفة. ينظر: الحوادث والبدع (ص127).