الرئيسية/فتاوى/هل يجوز أن يقال منتهى كمال الله تعالى؟

هل يجوز أن يقال منتهى كمال الله تعالى؟

السؤال :

شيخنا الفاضل، قرأت لابن عاشور -رحمه الله- في تفسير سورة الملك قوله: “افتتحت السورة بما يدل على منتهى كمال الله تعالى” (التحرير والتنوير 29/9).

هل يجوز أن يقال في حق الله تعالى: منتهى كمال الله تعالى؟ وهل لكمال الله تعالى منتهى؟ أحسن الله إليكم.

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فلا يجوز أن يقال: “منتهى كمال الله”؛ فإنَّ ما له منتهى لا تجوز -عقلًا- الزيادةُ على منتهاه، وكمالُ الله هو ما قام به من صفات الكمال، وقد أخبر تعالى عن بعض صفاته بما يدل على أنه لا نهاية لها، كما في العلم والقدرة والكلام، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ [الأنفال: 75]، وقال: إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة: 20]، وقال: قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا [الكهف: 109]، ومثلها ما في سورة لقمان: وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ [لقمان: 27]، ومن ذلك دوامه تعالى أزلًا وأبدًا، كما يدل له اسمُه الأولُ والآخِرُ؛ فهو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخِر الذي ليس بعده شيء، وكذلك سمعه وبصره سبحانه وتعالى؛ فسمْعُه واسع لجميع الأصوات، كما قالت أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: “سبحان من وسع سمعُه الأصوات”[1]، وبصرُه تعالى مدرِكٌ لجميع المرئيات، وأما قوله صلى الله عليه وسلم: “لو كشفه ‌لَأَحْرَقَتْ ‌سُبُحَاتُ وجهه ما انتهى إليه بصرُه مِن خلقه”[2]، فذلك الانتهاءُ من انتهاءِ متعلَّق البصر، وهي المخلوقات.

فعُلِم بذلك أنه لا منتهى لكماله تعالى في جميع صفاته؛ فقول القائل: “منتهى كمال الله” قولٌ باطلٌ؛ لأنه لا حقيقة له، فهو قولٌ منكر لا يجوز التكلُّم به، فضلًا عن اعتقاده. سبحانه وتعالى عمَّا يقول الظالمون والجاهلون علوًّا كبيرًا. والله أعلم.

 

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 18 محرم 1447ه

 

[1] أخرجه أحمد (24195)، والنسائي (3460)، وابن ماجه (188)، وعلقه البخاري بصيغة الجزم في كتب التوحيد، «باب قول الله تعالى: {وَكَانَ اللهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء:134]» عند حديث (7386)، كلهم بلفظ: “الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات”، وصححه الحاكم (3791) وهو بلفظ: “‌تبارك ‌الذي ‌وسع ‌سمعه كل شيء”، وقال ابن حجر في التغليق (5/ 339): “هذا حديث صحيح، وتميم وثقه ابن معين وغيره”. وينظر: ظلال الجنة في تخريج السنة (625).

[2] أخرجه مسلم (179) من حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه.