هل يتوسط المنافقون الصراط أو يطفأ نورهم قبل بدء المرور عليه

السؤال :

اختلفت الفهوم: هل المنافقون يتوسطون الصراط ثم يقولون: انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد: 13]، أو أنه يُطفأ نورهم قبل بدء المرور على الصراط ويحال بينهم وبين المؤمنين بسور، كما قال تعالى: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ [الحديد: 13] ...الخ، هل في هذه المسألة خلاف؟ وأين أجد التحقيق فيها؟

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم على من لا نبي بعده؛ أما بعد:

فإن الله تعالى أخبر في هذه الآيات من سورة الحديد عن المؤمنين والمؤمنات، بأن نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم، وفي آية أخرى ذكر تعالى عن المؤمنين أنهم قالوا: رَبَّنَا أَتْمِمْ لَنَا نُورَنَا [التحريم: 8]، وفي بعض الآثار أنهم يدعون بذلك إذا انطفأ نور المنافقين[1]، ثم أخبر تعالى عن المنافقين بأنهم يقولون للمؤمنين: انْظُرُونَا -أي: انتظرونا[2]- نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ [الحديد: 13]، إمَّا أنهم لم يُعطَوا نورًا أصلًا، أو أنهم أُعطوا نورًا لا يكفي للسير على الطريق[3]، فيَردُّ عليهم المؤمنون: ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا [الحديد: 13]، وظاهر الآية أن المؤمنين يتقدَّمونهم؛ فيأتي المنافقون وراءهم أو مِن بعدهم، والظاهر لي أن هذا يكون في أول الطريق، هذا هو الأصل، ولا بد في الآثار التي ذكرها المفسِّرون ما يوضح معنى الآيات، فليرجع إليه[4].

وقوله تعالى: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ [الحديد: 13]: يدل ظاهر الآية على أن باطنه ممَّا يلي المؤمنين، وظاهره ممَّا يلي المنافقين، وحينئذ لا يستطيع المنافقون الاستمرار في السير على الصراط، فيبقون في العذاب، إمَّا بلهب يغشاهم من النار وهم على الصراط، أو يهوُون في النار، فإن مصيرهم الدرك الأسفل من النار، ولا أعلم دليلًا على أن ذلك يكون بعدما يتوسط المنافقون الصراط، بل ذلك يكون في أول الطريق، كما تقدم. والله أعلم.

أملاه:

عبدالرحمن بن ناصر البراك

حرر في 27 ربيع الأول 1447هـ

 

[1] ينظر: تفسير الطبري (23/109-110).

[2] ينظر: نزهة الأعين النواظر في علم الوجوه والنظائر (ص589).

[3] ينظر: تفسير الثعلبي (26/42-43)، والتفسير البسيط (21/286).

[4] قال مجاهد: " ويعطون النور جميعًا يوم القيامة، فيطفأ نور المنافقين إذا بلغوا السور يماز بينهم حينئذ"، وقال الحسن: "ويعطى المنافق نورًا يمشون به حتى ينتهوا إلى الصراط، ‌فإذا ‌انتهوا ‌إلى ‌الصراط مضى المؤمنون بنورهم ويطفي نور المنافقين" وبنحوه عن الضحاك. ينظر: تفسير مجاهد (ص678)، وابن أبي حاتم (6138)، وابن كثير (8/15).