الرئيسية/فتاوى/نصيحة لامرأة اعتادت السرقة وتريد التوبة
file_downloadshare

نصيحة لامرأة اعتادت السرقة وتريد التوبة

السؤال :

أنا امرأةٌ سيئةٌ، وأظنُّ أنَّني خرجتُ مِن طورِ بني آدم، حيثُ أنَّ في رقبتي أموالٌ لكثيرٍ مِن النَّاسِ كنتُ أسرقُها منهم، وبدايةُ هذا الأمرِ مِن دراستي في المدرسةِ وكانَتْ أموالاً قليلةً، ولـمَّا كبرتُ بقِيَ معِي هذا الأمرُ حتى أنني كنتُ أسرقُ مِن أبي وأُمِّي، وفي كلِّ مرةً أندمُ وأتحسَّرُ على ما فعلتُ، لكن أرجعُ بعدَ ذلكَ إلى نفسِ هذهِ المعصيةِ، أخشى أنْ يكونَ مصيري إلى النَّارِ إنْ لمْ أتداركْ نفسِي، خصوصًا أنني وجدتُ أثرَ هذا الأمرَ في الدّنيا قبلَ الآخرة، ولي رغبةٌ بتسديدِ الأموالِ المسروقةِ حتى إذا كانَ يومُ القيامة أكونُ بلا ديونٍ، خصوصاً التي أخذتُها مِن والدِي، لكن المشكلةُ لا أعرفُ مِقدَارها فربما تكونُ آلافاً، ونسيتُ الأشخاصَ الذين تمَّ سرقتُهم، كلُّ ما في الأمرِ أنني لا أريدُ أن أستمرَّ على هذا الأمر، حتى أنني فكَّرتُ بتعذيبِ نفسِي بأدواتٍ حادَّةٍ لَمَّا رأيتُ الغَمَّ والحزنَ الذي أصابَ أبي بسببِ فقدِهِ المالَ لسرقتِي إيَّاه، وأنا تائهةٌ جدًا وغارقةٌ في الحيرةِ فلا أدري ماذا أفعلُ؟ وكيفَ أتخلَّصُ مِن تَبِعَاتِ هذا الأمرِ؟ فأرشدِوني جزاكم الله كلَّ خير.

يا سلام سلِّم، لا إله إلا الله، أولاً نقولُ لكِ: ما دامَ عندكِ -وللهِ الحمد- هذا التوجُّهُ والنَّدَمُ على ما حصلَ، فهذا توبةٌ، النَّدَمُ تَوْبَةٌ، ويَظهرُ أنَّكِ -إن شاء الله- مُصَمِّمَةٌ على تَرْكِ هذه العادةِ التي بُلِيتِ بها مِن صِغَرٍ، فالآن أنتِ دخلتِ -ولله الحمد- طريقَ السَّلامة، هذا هو أولُ طريقِ السَّلامةِ والسَّعادةِ، التَّوبةُ الصَّحيحةُ النَّصُوحُ.
بقي.. معلومٌ أنَّ التَّوبة لها ثلاثةُ شروطٍ -التَّوبة مِن الذّنوب- ثلاثة شروط: النَّدَمُ والأَسفُ على ما حصلَ مِن اقترافِ الذَّنبِ، والثَّاني: التَّصميمُ على عدمِ العودةِ، والثَّالث: مُقاطعةُ الفعلِ. ويقولُ أهلُ العلمِ: وشرطٌ رابعٌ وهو: إذا كانَ الذَّنبُ يَتعلَّقُ بحقوقِ الخَلْقِ، فتمامُ التَّوبةِ بِرَدِّ المظالمِ، بِرَدِّهَا.
إذاً فمِن كمالِ توبتِكِ أنْ تَرُدِّي هذه الأموالَ إلى أصحابِها إذا استطعتِ، فمَنْ عرفتِ منهم فاعملِي على إيصالِ ما أخذتِ منهم بطرقٍ، ولو لمْ يَعلمُوا، يعني: ليسَ بلازمٍ أنْ تذهبي إلى فلانٍ أو فلانةٍ وتقولي: "أنا أخذتُ منك كذا وكذا"، بل المهم إيصالُ المالِ إليهم ولو بطريقةٍ لا يَعلم بها، إيصالُ المالِ إلى حسابِهِ، إلى جيبِهِ، ومَن لمْ تعلمي منهم، ولا طريقَ إليهم: فالمبلغُ الذي تُقَدِّرينَهُ أنَّه لهذا الذي لا تعرفينَ اسمَهُ ولا مكانَهُ: تَصَدَّقِي به ويكفيكِ ويُجزئُكِ عنه.
وأمَّا ما يتعلَّقُ بأبيكِ، فأبوكِ قريبٌ إن شاء الله، ولعلَّهُ لو عَلِمَ بحالِكِ يعني طابَتْ نفسُهُ وسَمَحَ عنكِ، لكن إذا استطعتِ أنْ تردِّي عليهِ ما تيسَّرَ وما تقدرينَ عليه مِن المالِ.
وأمَّا ما تذكرينَهُ مِن التَّحَسُّرِ؛ ما .. التَّحَسُّرُ لا يَرُدُّ الحقوقَ، التَّحَسُّرُ لا يَرُدُّ الحقوقَ إلى أصحابِها، فتوكَّلِي على الله، واعلمِي أنَّ اللهَ غفورٌ ورحيمٌ سبحانه وتعالى، هو غفورٌ رحيمٌ وإذا صدقَ العبدُ التَّوبةَ فاللهُ تعالى يغفرُ لَه وييسرُ لَه أمورَه، فلا تتحسَّري التَّحَسُّرَ الذي يُهْلِكُكِ ويُنَغِّصُ حياتَكِ.
ومِن آثارِ هذا التَّحَسُّرِ القبيحةِ ما ذكرتيهِ مِن أنَّكِ تُعَذِّبينَ نفسَكِ، تريدين أنْ تعاقبي نفسَكِ أنتِ؟! لا، الإنسانُ ليسَ مأمورًا بأن يُعاقبَ نفسَه على المعصيةِ، لا، العِقابُ يكونُ مِن خارج: إمَّا بقدرِ اللهِ، وإمَّا بشرعِ اللهِ، أمَّا أنَّ الإنسانَ يُعذِّبُ نفسَه، واحد تخلَّفَ عن صلاةِ الجماعة يروح يضرب نفسه؟! ليش؟ لا، هذا ليسَ بشيء، الزَّاني ليسَ مشروعًا لَهُ أنْ يجلدَ نفسَهُ، لا، أنتِ كذلكَ، ليس لكِ ولا يليق، ثمَّ نفسُ الطّريقةِ التي ذكرتِ في تعذيبكِ نفسِكِ أيضًا قبيحةٌ، حيث أظنُّ ذكرتِ أنَّكِ تُعاقبينَ نفسَكِ بتجريحِ شيئًا مِن بدنِكِ، تَعوذِّي باللهِ مِن الشَّيطانِ، وهذا هو الطَّريقُ، وأنتِ -إن شاء الله- إلى خيرٍ، ونسألُ اللهَ أن يُصلِحَ حالَكِ، وأنْ يغفرَ لنا ولكِ، والله أعلم، الله المستعان، لا إله إلا الله.