الرئيسية/المقالات/الاختلاف بين المنتسبين للإسلام
sharefile-pdf-ofile-word-o

الاختلاف بين المنتسبين للإسلام

الاختلاف بين المنتسبين للإسلام
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً، أما بعد: 
فإنّه سبق في الموضوع الأوّل: وأنّه بيّن الشّيخ عن الخلاف بين الكفر والإيمان، وفي هذا الموضوع تكلم الشيخ عن نفس الموضوع –الخلاف- ولكنّه عن نوعٍ ثان مِن الخلاف: وهو الخلاف بين المنتسبين للإسلام، وما قد يحصل بينهم من خلاف، وهذه سنّة الله في الخلق. "إدارة الموقع".
 
أمّا الدّاخلون في دائرة دين الرّسل –في دائرة الإسلام- هؤلاءِ يجري بينهم اختلافات، فالخلاف والاختلاف سنّة كونيّة وطبيعة بشريّة، اقتضتها حكمة الله تعالى في خلقه، حسب تكوينهم في عقولهم ومآدبهم، وتأثراتهم وتأثيراتهم، فالدّاخلون -وإن كانوا جميعاً ينتمون إلى دين الإسلام، فأمّا المنتسبون لدين الإسلام ظاهراً لا باطناً فهم المنافقون، وهؤلاء لا وزن لهم ولا اعتبار- فهم داخلون في حزب الشيطان كما قال الله –سبحانه وتعالى-: يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَمَا يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكَاذِبُونَ، اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنْسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُولَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ (المجادلة:18-19)
لكن نبقى مع المؤمنين المسلمين الذين معهم أصلُ الإسلام، فهؤلاءِ أيضاً يجري بينهم الاختلاف، والاختلاف المعتبر: هو الخلاف الذي يكون بين أهل العلم.

وهناكَ اختلافات بين فئات الأمّة، وهذه الاختلافات: منشأها التفاوت في الاعتصام بكتاب الله وسنة رسوله –عليه الصّلاة والسّلام-، فكثيرٌ مِن المسلمين قد فرّطوا في هذا الواجب، فتخبطوا في الظّلمات وتلقّفتهم أيادي الأعداء مِن شياطين الإنس والجن، فتديّنوا بما لم يشرع الله، واعتقدوا ما لم ينزّل الله به من سلطان، وهذا يصدق على فرق الأمّة، أهل الأهواء الذين ابتدعوا بدعاً اتخذوها ديناً: بدعاً اعتقاديّة أو بدعاً عمليّةً،  فهم مختلفون فيما بينهم، وهم أيضاً مخالفون لأهل السنّة والجماعة، إذن هذا نوع من الاختلاف.
وأيضاً فهذا الاختلاف الخطير بين المنتسبين للإسلام أخبر به -صلى الله عليه وسلّم- في الحديث المشهور الذي قال فيه: (افْتَرَقَتْ الْيَهُودُ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَتَفَرَّقَتْ النَّصَارَى عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كلُّها في النَّارِ إلّا واحدةً، قيل: من هي يا رسول الله؟ قَالَ: مَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنَا عَلَيْهِ وَأَصْحَابِي( وفي رواية قال: (هي الجماعة)
 

وهذا الاختلاف -مِن وجه- يشبه الاختلاف بين المؤمنين والكفّار؛ لأنّه اختلاف تضادّ، واختلاف منشأه المأخذ الذي يعتمد عليه، ويتمسك به كلُّ فريق، فهذا الخلاف بين أهل السنّة والجماعة وغيرهم هو اختلاف تضادّ، والحق فيه دائماً مع أهل السنّة، فأهلُ السنّة في الأمّة، كالأمّة في سائر الأمم، الحقّ كلّه في الأمّة المسلمة، ثم إنَّ الحقّ كلّه والصّواب كلّه مع أهل السنّة.،وكلّ مَن خالف أهل السنّة في أمرٍ: فهو منحرف عن الصّراط المستقيم، بقدر هذه المخالفة: كمّاً وكيفاً، فهذه الفرق بعضها أبعد عن الحقّ مِن بعض، وبعضها أقرب مِن بعض.
فهذا اختلاف جارٍ دلّ عليه القرآن الكريم والسّنة، لأنَّ الله أخبر عن افتراق الأمم الماضية كما في قوله تعالى: وَمَا تَفَرَّقُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ (الشورى:من الآية14) وقوله: وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ (آل عمران:105)
وقوله: تَفَرَّقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَةُ (البينة:4)
مع قوله صلى الله عليه وسلّم-: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ حَذْوَ الْقُذَّةِ بِالْقُذَّةِ)

ثم إنّ أهل السنّة -أيضاً- يقع بينهم اختلافات، ولكن مع الفرق بين اختلاف أهل السنّة فيما بينهم واختلافهم مع غيرهم، واختلاف غيرهم من بعضهم مع بعض، فأهل السنّة إن اختلفوا في شيء فإنّه لا يكون في مسائل الاعتقاد البتّة، إلّا في مسائل جزئية قليلة، وإنّما اختلافهم في المسائل العمليّة؛ ثم إنّ الخلاف الذي يكون بين أهل السنّة، بل أقول: إنّ هذا الاختلاف بين أهل السنّة وسلفهم: وهم الصحابة رضي الله عنهم فإنّ الخلاف وقع بينهم، أقول: إنّ هذا الاختلاف الذي وقع بين الصّحابة وبين أتباعهم مِن أهل السنّة والجماعة

أملاه:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك