الرئيسية/المقالات/المبيت بمنى بعد تأجير الخيام
sharefile-pdf-ofile-word-o

المبيت بمنى بعد تأجير الخيام

المبيت "بمنى" بعد تأجير الخيام
 

الحمد لله وحده، وصلّى الله وسلّم على مَن لا نبي بعده محمّد وآله وصحبه أجمعين، أمّا بعد:
فإنّ مِن مناسك الحج -باتفاق العلماء-: المبيت بمنى ليالي التّشريق، وذلك أنّ النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بات بها هو وأصحابه، وقال: (خذوا عني مناسككم)[1] ولكن اختلف العلماء في حكم المبيت:

فذهب جمهور العلماء إلى أنّه واجبٌ، يجب بتركه دم، وهو الراجح في مذهب مالك والشافعي وأحمد وأصحابهم، واستدلوا لذلك: 
أولًا: بقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (خذوا عني مناسككم) وهو أمرٌ يدلّ على وجوب أخذ المناسك عن النّبي -صلى الله عليه وسلم- والأخذ يتضمّن العلم والعمل، كما قال تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّ‌سُولُ فَخُذُوهُ (الحشر:7)
ثانيًا: ما ثبت أنه -صلى الله عليه وسلم- رخّص لعمّه العبّاس في ترك المبيت بمنى مِن أجل سقايته[2] وكذلك رخّص للرعاة مِن أجل الرّعاية، يُفهم منه وجوب المبيت على مَن ليس له عذر، ويلحق بالرّعاة والسّقاة كلّ مَن له عذر عامّ: وهو ما يتعلق بمصالح الحاج، أو خاص: كمرض أو عائق مِن العوائق.
ثالثًا: ما رواه مالك عن ابن عمر أنّ عمر -رضي الله عنه- قال: (لا يتبين أحد من الحاج ليالي منى من وراء العقبة)

وذهب أبو حنيفة وأصحابه وابن حزم -رحمهم الله أجمعين- إلى أنّ المبيت بمنى سنّة، وتركه مكروه، ومَن تركه أساءَ ولا شيء عليه، واحتجّ له ابن حزم: بأنّ النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- لم يأمر به، أي أمراً خاصَّا، وأجاب عن قصة العبّاس والرّعاة بأنّها إنّما تدلّ على الإذن لهم، ولا تدلّ على وجوب المبيت على غيرهم، إذْ لم  يتقدّم أمر بذلك، وليس هذا بمتجه.
واستدل الحنفية على عدم الوجوب بالرخصة للرعاة والسقاة، قالوا: فإنّ الرّخصة لهم في ترك المبيت تدلّ على التّوسعة، وأنّه ليس بواجب، وهو مِن جنس جواب ابن حزم بل أضعف.

وممّا تقدّم يظهر أنّ القول الصّحيح هو: وجوب المبيت بمنى ليالي أيام التّشريق، لقوّة دليله، وأنّه يجب بتركه دم؛ لقول ابن عباس -رضي الله عنهما-: (مَن تركَ شيئًا مِن نسكهِ أو نسيه أو تركه: فليهرق دمًا) وأنّه يسقط الوجوب بالأعذار، ومحلّ هذا الوجوب حين كانت منى مناخ من سبق.
 أمّا وقد صار النزول في منى لا يمكن إلا بأجرة كما هو الواقع في إسكان حملات الحج، أو بِمنّة؛ كالسكنى في المخيمات الرسميّة التي لا تحصل لغير مَن خُصّصت لهم إلا بسؤال وشفاعة ونحو ذلك: فإنّ المبيت -والحال ما ذكر- لا يجب، فإنّ تحمّل المنّة والأجرة لم يكلف به الحاج، وفيه حرج على أكثر النّاس، وقد قال تعالى: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَ‌جٍ (الحج:78)

وعلى هذا فمَن لم يتيسّر له السّكنى بمنى إلا بأجرة أو منة: فلا يجب عليه المبيت بها، ولا يجب عليه أن يتحمّل مشقّة المبيت بالجلوس في الطرقات وعلى الأرصفة وبين الخيام، فإنّ ذلك حرج أيّ حرج، ثم إنّه ممنوع في نظام الجهات المختصّة، لما فيه مِن الخطر والأذى على الجالس والمار، قال الله تعالى: وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ(البقرة:195) وقال سبحانه: يُرِ‌يدُ اللَّـهُ بِكُمُ الْيُسْرَ‌ وَلَا يُرِ‌يدُ بِكُمُ الْعُسْرَ (البقرة:185) والله أعلم، وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله ربّ العالمين.

أملاه:
 عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك

_____________________________
[1]-رواه مالك في الموطأ (1/419) والبيهقي في السنن الكبرى (5/152) وقال النووي في المجموع (8/99): رواه مالك والبيهقي وغيرهما بأسانيد صحيحة عن ابن عباس موقوفًا عليه لا مرفوعًا.
[2]- رواه أبو داود (2019) والترمذي (881) وابن ماجه (3006) عن عائشة رضي الله عنها عنها، قال الترمذي: (حديث حسن صحيح)