الرئيسية/المقالات/نصيحة في استخدام شبكة المعلومات الانترنت
sharefile-pdf-ofile-word-o

نصيحة في استخدام شبكة المعلومات الانترنت

نصيحة في استخدام شبكة المعلومات "الانترنت"
بسمِ الله الرّحمنِ الرّحيم
الحمدُ لله وحده، وصلّى الله وسلّم على مَن لا نبي بعده، أمّا بعد:
فإنّ الحضارة الغربيّة المعاصرة مِن أعظم الفتن التي اُبتليتْ بها البشريّة؛ كفارًا ومسلمين، فأوجبت للكفار -الذين جرت على أيديهم-: غرورًا واستكبارًا وطغيانا وتسلّطًا على غيرهم، وازدادوا كفرًا بما ارتكبوه مِن الإلحاد والفساد في أكثر البلاد، كما قال الله تعالى في سلفهم: وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلَادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ * فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ * إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ(الفجر:10-14)
وأوجبت هذه الحضارة لكثير مِن المسلمين: انبهارًا وإعجابًا بالكفار، وذلّاً وتبعية لهم، ففرّطوا في دينهم الذي هو مناط عزّهم إذا تمسكوا به، وازدروا أسلافهم، حتى أهل القرون المفضّلة؛ فعظُمت بذلك مصيبة المسلمين، فطلبوا العزّة بموالاة الكافرين، فأخطؤوا طريق العزّة، قال تعالى: مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا(فاطر:10)
وقال تعالى: وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ(المنافقون:8)
وقال تعالى: بَشِّرِ المنافقينَ بأنَّ لَهُمْ عَذَابًا أليمًا * الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعًا(النساء:138-139)

وهذه الحضارةُ قد اشتملتْ على كشوفٍ، ومخترعاتٍ، هائلةٍ شاملة لكلّ نواحي الحياة، وهي متنوعة، فمنها:
– ما هو مجلبةٌ لأعظم المصائب البشريّة؛ كالقنابل وغيرها مِن أسلحة الدّمار الشّامل. 
– ومنها ما هو مِن وسائل الخير ومنافع البشر؛ كوسائل النّقل والاتصال، وكالآلات المستخدمة في الزّراعة، والطّبّ، والعمران، والتّعليم.
– ومنها ما هو ذو حدّين -كما يُقال- فهي بحسب الاستعمال؛ كوسائل الإعلام، المرئيّة والمسموعة والمقروءة، وأعظمُها: الشّبكة المعلوماتيّة، أو العنكبوتيّة "الإنترنت"؛ فإنّها مِن أعجب المخترعات في هذه الحضارة، ومِن أعظم الآيات على قدرة الله، وقد جمعتْ ما تفرّق في غيرها، فهي أداة إعلام، وتعليم، ودعوة، ودعاية.
ولهذا صار يستخدمها كلُّ النّاس في مختلف أغراضهم: خيرها، وشرّها، وعاديها، فتستخدمها الحكومات والمؤسّسات، والشّركات، والتّجار، وأصحابُ الصّناعات، والطّبّ، كما يستعملها الجماعات والأفراد، حتى أصحاب المذاهب والدّيانات، والطّوائف المختلفة، وذلك باتّخاذ مواقع في الشّبكة، كلٌّ يقدّم فيها نشرًا وحفظًا لِمَا هو مِن اختصاصاته واهتماماته. 
لذلك أصبحت هذه الشّبكة مرتعًا ومرجعًا لأكثر النّاس، على اختلاف مشاربهم ومذاهبهم وهواياتهم وحاجاتهم، فيجد فيها طالبُ الخير -في مواقع الخير- بغيته، وطالبُ الشّر -في مواقع الشّر- بغيته كذلك.
كما يجدُ طالبُ العلمِ وطالبُ الأخبارِ ما يطلبه ويبحث عنه، ويجدُ طالبُ الحاجات مِن السّلع والعروض ما يريد، لذلك كانت هذه الأعجوبة -الشّبكة- عظيمةَ النّفع في الدّين والدّنيا لِمَن أحسنَ استخدامها، وعظيمةَ الشّرّ والضّرر في الدّين والدّنيا لِمَن أساءَ استعمالها.
فهي مِن أعظم الوسائل في تعليم العلوم النّافعة، وفي الدّعوة إلى الله، والجهاد في سبيل الله بالكلمة، كما هي مِن أعظم الوسائل في نشر الكفرِ، والشّرك، والبدعة، والفجور، واللهو، والباطل، والدّعاية لها. 

لذلك يجبُ على كلّ مسلمٍ ومسلمة أن يحذرَ مِن الوقوع في شبكة هذه الشّبكة، فإنّها مصيدةٌ لِمَن لم يكن منها على حذر، ولم يتّقِ مواقع الخطر، لذلك أنصحُ كلّ مَن أراد أن يستخدم هذه الوسيلة -مِن الرّجال والنّساء- بمراعاة الأمور الآتية: 
أولاً: أن يتعرّف مِن أهل الخبرة الثّقات على المواقع النّافعة المفيدة، لينتفع بها. 
ثانياً: أن يحدّد غرضه، فلا يكن همّه مجرّد الاطلاع والسّياحة في المواقع للتسلية، فإنّ هذه الطّريقة توقعه في محذورين: 
أ- إضاعة الوقت بلا هدف.
ب- الوقوع في ورطة بعض المواقع المحذورة، التي لعلّه لا يستطيع الخلاص منها؛ مثل مواقع الجنس والخنا، أو المواقع التي تحارب الإسلام بالتّشكيك في عقائده، وتثير الشّبهات، وتدعو إلى الإلحاد. 
ثالثاً: ما علمه مِن هذه المواقع السّيّئة لا يدخل عليه على أساس الاطّلاع لكي يحذره ويُحذِّر منه، فإنّ الإنسان لا يدري عن نفسه، فالسّلامة لا يعدلها شيء، وكما يُقال: "السّم لا يؤكل للتّجربة"، وفي الحديث: (إذا أرادَ العبدُ أنْ يفتحَ شيئاً مِن أبوابِ حرمات الله؛ قالَ لهُ واعظُ الله في قلبِ المؤمن: ويحكَ لا تفتحهُ، فإنّكَ إنْ تفتحهُ تلجهُ)
رابعاً: أن يجتنبَ مواقعَ الحوارات والمحادثات، وهي التي تتكوّن مِن أعضاء؛ لأنّها تشتملُ على أمور مذمومة: 
١- الجدل الذي لا طائل تحته، ولا يوصلُ إلى غاية، أو في أمر تافه ليس له أهمية.
٢- إضاعة الوقت بالنّكت والحكايات، وفضول الكلام.
٣- المحادثات بين الشّباب والشّابات، فإنّه يجبُ استقلال كلّ مِن الجنسين عن الآخر في محادثاتهم ومحاوراتهم، ولا ينبغي التّهاون بهذا الأمر، والتماس المسوغات، فإنّ المحادثات بين الشّباب والشّابات باسم المذاكرة: مِن مداخل الشّيطان، وللشّيطان في هذا الشّأن حيلٌ وخدعٌ وتسهيلات وتأويلات. 
ثمّ على الجميع أن يتقوا الله، ويراقبوه في السّر والعلانية، وأن يتذكّروا أنّ هذه الحياة الدنيا أخطر مراحل الإنسان التي يمرّ بها، حتى يبلغ منتهاه، فهي دارُ الابتلاء التي يميزُ الله فيها الخبيثَ مِن الطّيب، والتي ينبني عليها مستقبلُ الإنسان العظيم فيما بعد الموت، فهناك يجدُ الإنسان ما قدّم مِن عملٍ في دار البرزخ وبعد البعث، حتى يصدر كلّ إنسان عن موقف القيامة، ليجد جزاء ما عمل مِن خير وشر، يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِّيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ * فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ(الزلزلة:6-7-8)
نسألُ الله العفو والغفران، والثّبات على الإيمان، وأن يبلّغنا برحمته الجنة. ربنا آتنا في الدّنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. وصلّى الله على محمّد وآله وصحبه وسلّم. حرر في: 1435/7/24 هـ
 

أملاه:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك