الحمدُ لله وحده، وصلَّى الله وسلَّم على محمَّد، أما بعد :
فإنَّ مِن المعلوم أنَّ التَّوراة كانت موجودة في عهد النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد احتجَّ بها الرَّسولُ -صلَّى الله عليه وسلَّم- على اليهود في حدِّ الزاني المحصَن حين جحدوه، ففي صحيح البخاري عن ابن عمر رضي الله عنهما، قال: أُتي النَّبي -صلَّى الله عليه وسلَّم- برجل وامرأة مِن اليهود قد زنيا، فقال لليهود: «مَا تَصنعون بهما؟»، قالوا: نسخم [1] وجوههما ونخزيهما، قال: فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:93]، فجاءوا، فقالوا لرجلٍ ممَّن يرضون: يا أعور، اقرأ، فقرأ حتى انتهى إلى موضع منها فوضع يده عليه، قال عبد الله بن سلام: ارفعْ يدكَ، فرفعَ يده، فإذا فيه آية الرَّجم تلوح، فقالَ: يا محمَّد؛ إنَّ عليهما الرَّجم، ولكنا نكاتمه بيننا، فأمرَ بهما فرجما، فرأيته يجانئ [2] عليها الحجارة [3] .
وكذلك أمَرَ اللهُ نبيَّه محمَّدًا -صلَّى الله عليه وسلَّم- أن يطلبَ مِن اليهود أن يأتوا بالتَّوراة لمَّا جحدوا أن يكون ما حرم عليهم مذكورًا في التوراة، قال تعالى: كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ [آل عمران:93].
وليس في هذا الكلام المرويِّ عن عبد الله بن عمرو في صفة نبيّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- ما يتعارضُ مع ما في القرآن والسُّنَّة، وقد أخبر الله أنَّ صفة نبيّنا -صلَّى الله عليه وسلَّم- مكتوبة عندهم في التَّوراة، قال تعالى: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ [الأعراف:157]، وكتبُ الله يصدقُ بعضها بعضًا، وعبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عزا هذا القول للتَّوراة صريحًا، فلا يُعدُّ هذا من الإسرائيليات التي لا تصدق ولا تكذب، فإذا ثبتَ أنَّه مِن التَّوراة فهو مِن كلام الله، والله أعلم.
أملاه :
عبد الرَّحمن بن ناصر البرَّاك
حرر في 24 ربيع الأول 1442