الرئيسية/المقالات/فائدة بتفسير قوله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ..
sharefile-pdf-ofile-word-o

فائدة بتفسير قوله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ..

فائدة بتفسير قوله تعالى: وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ..

قال تعالى: وَمَآ أَنفَقتُم مِّن نَّفَقَةٍ أَو نَذَرتُم مِّن نَّذرٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ يَعلَمُهُۥۗ وَمَا لِلظَّٰلِمِينَ مِن أَنصَارٍ[البقرة: 270]
الحمدُ لله وحده، وصلّى الله وسلّم على نبيّنا محمّد، أمّا بعد:
فقد تضمّنت الآية المذكورة: الوعد بالثواب على كلّ نفقة أو نذر يُبتغى به وجه الله سبحانه؛ لقوله تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ فذكْرُ العلم يتضمّن الوعد بالثواب على النفقة والنذر، وفي قوله: وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ وعيدٌ للباخلين المانعين لما أوجب الله عليهم، أو غير المخلصين في النفقة والنذر، وهو -سبحانه- العليم بالنّيّات.
والمراد بالنذر: نذر الطاعة؛ لأنّه الذي يجب الوفاء به؛ لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن نذرَ أن يطيعَ الله فليطعه). وحقيقة النّذر: أن يوجبَ الإنسان على نفسه ما لم يجب عليه في الشّرع، وقسمه العلماء إلى ثلاثة أنواع:
1. نذر التبرر المحض، وهو ما يقصد به المكلف حمل نفسه على الطاعة، وهذا هو المناسب لسياق هذه الآية، ومنه قولك: لله عليَّ صيام شهر.
2. ما يقصد به المكلف منع نفسه من أمر أو حملها عليه، ويسمى "نذر اللِّجاج والغضب"، كقولك: إن فعلتُ كذا فلله عليَّ صيام شهر، أو: إن لم أفعل كذا فلله عليَّ صيام شهر.
3. النذر المعلَّق على حصول مقصود من مكلَّف؛ من شفاء مريض، أو رد غائب، أو نجاة من هلكة، كأن يقول: إن شفى الله مريضي، أو ردَّ عليَّ ولدي، أو نجَّاني من عدوي فلله عليَّ صيام شهر، أو صدقةُ بألف، أو حج في هذا العام، وما أشبه ذلك.

فيجب الوفاء بالنوع الأول والثالث، وأما نذر اللِّجاج والغضب، فقيل: يجزئه كفارة يمين، وقيل: يجب الوفاء به، وقيل: يخير بين الكفارة وفعل ما نذره. وهذا القول الأخير أظهر، وأقرب إلى الصواب. هذا فيما يترتب على النذر، وأما عقد النذر؛ فقيل: الأول مستحب أو جائز، والأولى تركه؛ لأنه قد يفضي به إلى حرج، والله قد عافاه ويسَّر عليه، إذ لم يوجبه عليه ابتداء، والثاني جائز، والثالث قيل: مكروه، وقيل: حرام؛ لأنه المقصود بقوله صلى الله عليه وسلم: ( إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) وبهذا الحديث يعلم أن النذر المعلق على حصول نفع أو دفع ضر لا يكون سببا في ذلك، بل ينتهي أمر المكلف إلى القدر، فلا يجوز اعتقاد أن النذر هو السبب في حصول ما حصل من المطلوب، واندفاع ما اندفع من المرهوب، وعدمُ الوفاء بهذا النذر أخطر من عدم الوفاء بالنوع الأول؛ لأن النذر المعلَّق فيه وعدٌ من العبد لربه أن يفعل ما نذره إن حصل له مقصوده، وقد قال سبحانه في المنافقين: وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ[التوبة:75-77]
وبهذا يظهر أن النوع الثالث لا يدخل في آية البقرة المذكورة؛ لأنه لا يناسب ما دلت عليه من الثناء والوعد بالثواب؛ والمقصود النذر الذي يوفَى به. والله أعلم.
 حرر في 12 /5/ 1435 هـ

قال ذلك:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك