الرئيسية/فتاوى/حب الكافر لذاته مع بغض كفره هل يجوز شرعا
share

حب الكافر لذاته مع بغض كفره هل يجوز شرعا

السؤال :

 :
شيخنا الكريم أحسن الله إليكم :
ما حكمُ محبَّة الكافر لذاته مع بغض فعله ؟
وما الفرقُ بين بغض الكافر لذاته وبغضه لفعله ؟
وهل وردَ أنَّ السَّلف فرقوا بينهما ؟
وهل كان رسولُ الله يحبُّ ذوات الكافرين ويكره أفعالهم ؟
وإذا كان الإسلامُ هو دينُ المحبَّة والرَّحمة ؛ فكيف يدعو الدَّاعية إلى الله الكفار والمشركين وفي قلبه بغضهم ومعاداتهم ؟

 :
الحمدُ لله ، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومَن والاه ، أمَّا بعد :
فإنَّ مِن المقالات الباطلة التي لا تصدر إلا مِن منافقٍ، أو جاهلٍ مخدوعٍ، ومنشؤها مداهنةُ الكُفَّار والركونُ إليهم، بدعوى مجاملتهم والتَّلَطُّفِ معهم، هذه المقالة الباطلة، وهي أنَّ البغض الذي فرضَه اللهُ على المسلم للكافر إنِّما هو بُغْضُ كُفرِه لا بُغضُ شخصِه، وفي هذا تلبيس، ومغالطة ظاهرة، ومناقضة للعقل والواقع والشرع؛ فنصوصُ الكتاب والسُّنة ناطقة بتعليق البُغض والعداوةِ والوعيد والذَّمِ واللعن بأشخاص الكافرين، قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا [الأحزاب: 64]
وقال: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ [البينة: 6]
وقال في النار: أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ [البقرة: 24]
وقال تعالى: فَإِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ الْكَافِرِينَ [آل عمران: 32]
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ [القصص: 77]
وقال تعالى: تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ [المائدة: 80]
وقال: فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ [البقرة: 98]
وقال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ إلى قوله: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاء أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ إلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَمَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِن شَيْءٍ رَّبَّنَا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنَا وَإِلَيْكَ أَنَبْنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الممتحنة: 4]
إلى غير ذلك مما لا يُحصى من آيِ القرآن، وكلُّها تضيف الذَّمَّ والوعيد والبغضَ والبراءة والعداوة لأشخاص الكافرين والمشركين، وكذلك ما قصَّه الله مِن عقوبات المكذبين، هي واقعة عليهم بسبب كفرهم وتكذيبهم وظلمهم وفسقهم، قال تعالى: وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُواْ يَفْسُقُونَ [الأعراف: 165]
وقال تعالى: فَكُلاًّ أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ [العنكبوت: 40]
كَدَأْبِ آلِ فِرْعَوْنَ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَذَّبُواْ بآيَاتِ رَبِّهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَغْرَقْنَا آلَ فِرْعَونَ وَكُلٌّ كَانُواْ ظَالِمِينَ [الأنفال: 54]
فَمَا بَكَتْ عَلَيْهِمُ السَّمَاء وَالأَرْضُ وَمَاكَانُوا مُنظَرِينَ [الدخان: 29].

والكفر والشركُ والفساد أعراضٌ ومعانٍ لا توجدُ إلا في مَن قامت به مِن الكفار والمشركين والمفسدين، نعم هي مذمومةٌ وقبيحةٌ ومُحرَّمة، يجب بغضها والحذر والتحذير مِن الوقوع فيها، ومع ذلك لم يأت في القرآن إضافة البغض إليها إلاَّ ما جاء في مثل قوله تعالى: وَلا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ [الزمر: 7]، وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ [البقرة: 205]
وأكثر ما يرد معلقًا بهذه الأفعال النَّهيُ والتَّحريمُ، قال تعالى: قُلْ تَعَالَوْاْ أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلاَدَكُم مِّنْ إمْلاَقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [الأنعام: 151]
وقال: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَن تُشْرِكُواْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَن تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [الأعراف: 33]
وقال تعالى: وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ [النحل: 90]، والخطاب بذلك للمكلفين.

وفي مقابل ما تقدَّم جاءت نصوصُ المدح والثناءِ والحُبِّ والوعدِ والولاء متعلقة بأشخاصِ المؤمنين والمتقين، قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ * وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 71-72]
وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ [آل عمران: 68]
وقال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ [التوبة: 4]
وقال تعالى: وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [البقرة: 82]
وقال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ * جَزَاؤُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ [البينة: 7-8].
وكذلك نُصوص السُّنَّةِ جاريةٌ على هذا النَّهج.
وكما نقول: كلُّ ما نهى الله عنه فهو يُبغضُه، ويجب بُغضه، وكذلك كلُّ ما أمر الله به وأثنى على أهله من الأقوال والأفعال فهو يحبه، وتجب محبته.

فُعلم مما تقدَّم أنَّ الإيمان والعملَ الصَّالح سببٌ لمدح مَن اتصف به ومحبَّتِه وثوابِه وفلاحِه، وأن الكُفر والمعاصي سببٌ لذمِّ مَن اتصف بها، وبغضِه وعقابِه وشقائه، ولهذا مَن تجرَّد عن صفة الفريقين لم يكن محمودًا ولا مذمومًا ولا مُثابًا ولا مُعاقبًا إلّا تبَعًا، كأطفال المسلمين والكفار ومجانينِهم، فأطفالُ المسلمين يُحبَّون تَبَعًا، ومآلهم إلى الجنة تبعًا لآبائهم، وأولاد المشركين قال فيهم النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- لما سُئل عنهم: (الله أعلمُ بما كانُوا عامِلين) [1] ، وفي مصيرهم خلاف بين العلماء كثير، أما حكمهم في الدنيا فهم تبع لآبائهم، يتَوَلَّونَهم، ويُدْفَنون في مقابرهم.
ومما يتَّصل بهذا مَن لم تبلغه الدعوة ؛ فإنه وإن وصفَ بالكفر فليس له حكم الكافرين ولا المؤمنين في الثواب والعقاب والمدح والذم، فإن ماتَ على هذه الحال فإنَّ حكمَه في الآخرة حكمُ أهلِ الفترة، وقد جاء فيهم وفي أنواع مِن أهلِ الأعذارِ كالمجانين أحاديثُ وآثارٌ تدُلُّ على أنهم يُمتحنون يومَ القيامة بما يَكشِف حقائقَهم [2] .

وبناء على ما سبق يُعلمُ أولًا: أنَّ محبَّة الكافر لذاته مع بغض فعله حرامٌ ؛ لأن ذلك ضِدُّ ما دلَّ عليه كتاب الله، وسُنَّةُ رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، القاضيةُ بأنَّه تعالى لا يُحب الكافرين، وقد أمر ببغضهم، وإبداء العداوة لهم، والبراءة منهم، والفصلُ بين الفِعل والفَاعل في الُحكم كما أنه مُناقضٌ للشَّرعِ فهو مناقضٌ للعقل، فما يتعلق بالفعل مِن الذَّمِ والبُغض لاحقٌ بالفاعلِ إلا أن يمنع من ذلك مانع معتبَرٌ شَرعًا، ويلزم مَن قال هذه المقالةَ أن يقول بجواز بغض المؤمن مع محبَّة فعله، وفي هذا من القبح والشناعة ما لا يَخفى.
ولا يرد على هذا الحُبُّ الطَّبيعِيُّ والبغض الطَّبيعِيُّ ؛ كما يُحِبُّ المسلمُ والديه الكافرين، أو مَن أحسنَ إليه، أو قامت به صفةٌ محمودة، مع بغضه لهؤلاء بسبب كفرهم، وكما يبغض المسلمُ مَن يعتدي عليه أو من يَظْلِمُه مِن إخوانِه المسلمين، مع محبَّتِه له لإيمانه، ولا يُستَغْرب أن يجتمع الحُبُّ مع البُغضِ فيكون الشيءُ محبوبًا مِن وجهٍ مُبْغضًا من وَجْهٍ كالدَّواء الـمُرِّ، يكرهه المريضُ لمرارته، ويُحبُّه لِمَا يرجوه مِن نفعه، وإنَّما الممتنع عقلاً أن يجتمع الحبُّ والبغض في جهةٍ واحدةٍ لشيءٍ واحدٍ، والمهمُّ ألاَّ يَمْنَعَ الحُبُّ الطَبيعِيُّ من البُغض الدِّينيِّ، فيؤولَ إلى الموالاة التي نَهى الله عنها، كما لا يجوز أن يَمنع بُغضُ مُسلمٍ لظُلْمِه مِن الحُبِّ الشَّرعِيِّ الواجبِ له، ومتى ما عارض الحبُّ والبُغض الطبيعِيَّانِ الواجبَ الشرعيَّ كان ذلك مِن جملة اتّباع الهوى المذمومِ صاحبُه.
فيجب أن يُعلم أنَّ التَّفْريقَ بين الكافر وفعلِه في الحُبِّ والبُغض، لا أصل له في سيرة النَّبي صلَّى الله عليه وسلَّم، ولا سِيرة أصحابِه والذين اتَّبعوهم بإحسان.

وأما قول بعضهم: “إذا كان الإسلام هو دين المحبَّةِ والرَّحمة فكيف يدعو الداعيةُ إلى الله الكفارَ والمشركين وفي قلبه بغضهم ومعاداتهم” ؟
فجوابه: أنَّ مِن المحبَّةِ والرَّحمَةِ التي جاء بها الإسلام، دعوةَ الكافِر إلى الإسلام ومحبةَ هدايته، فبغضه ومعاداته لكفره لا تمنع مِن الإحسان إليه بدعوته والحرص على هدايته، وتبليغِ رسالات الله لإخراج مَن شاء سبحانه مِن الظلمات إلى النُّورِ، كما قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِ رَبِّهِمْ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ [إبراهيم: 1].
فما الداعي إلى الله إلاّ كالطبيبٍ يسعى لشفاء المريضِ بأكملِ ما يعلمُه من أسباب الشفاء، وأعظمُ الأمراض أمراضُ القلوب بالكفر والمعاصي، وشفاؤها بخلاصها من ذلك، ولهذا سمَّى الله القرآن شفاء، قال تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ [يونس: 57].
وكما أنَّه مستقرٌّ في الفِطَرِ والعُقولِ أن التَّطهيرَ مِن الأقذارِ الحِسِّيَّةِ مطلوبٌ، ولا يقتضي حُبُّ تَطْهِيرِها حُبَّها وهي نجسةً بل يُعارضه، فكذلك الكفر والمعاصي أقذار معنويَّة تتنجَّس بها القلوبُ، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلاَ يَقْرَبُواْ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا [التوبة: 28].
وفي حديث حذيفة عند مسلم:
(تُعرض الفِتنُ على القلوب كالحصِير عُودًا عُودًا، فأيُّ قلبٍ أُشْرِبَها نُكِتَ فيه نكتةٌ سوداءُ، وأَيُّ قلبٍ أَنْكَرها نُكِتَ فيه نكتةٌ بيضاءُ، حتى تصير على قلبين؛ على أبيضَ مثلِ الصَّفا، فلا تضرُّه فتنةٌ ما دامت السماوات والأرضُ، والآخَرُ أسودُ مُرْبَادَّاً كالكُوز مُجَخِّياً؛ لا يَعرف معروفاً، ولا يُنكر مُنكراً، إلاّ ما أُشْرِب مِن هَواه) [3]
ولذا قال تعالى في الكافرين والمنافقين: أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَن يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ [المائدة: 41].
وقد سَمَّى الله الدعوةَ إلى الإيمان والعملِ الصَّالح تطهيرًا وتزكية، قال الله تعالى: وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ [المدثر: 4]، وهذه الآيةُ من أوَّل ما نزل من القرآن، وقال تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا [التوبة: 103]، ومَن هداه الله فقد أراد تطهيرَ قلبِه.
ولما كانت الفواحشُ أقذارًا والتَنَزُّهُ عنها طُهرًا عَيَّر قومُ لوطٍ آلَ لوطٍ فقالوا: أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِّن قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُنَاسٌ يَتَطَهَّرُونَ [النمل: 56]، وقال تعالى مبيِّنًا حكمة شرع الحجاب: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِن وَرَاء حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب: 53]، نسأل اللهَ أن يُطَهِّر قلوبَنا، وأن يُحبِّبَ إلينا الإيمان والمؤمنين، وأن يُكَرِّه إلينا الكُفْرَ والكافرين، وأن يجعلنا مِن الراشدين، كما قال الله تعالى ممتنا على المؤمنين: وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُوْلَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ * فَضْلاً مِّنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ [الحجرات: 7-8].

هذا؛ وتبيَّن مما تقدَّم أن الذَّمَّ والبُغضَ يتعلَّقُ بالأعمالِ والعاملين ؛ بالفسادِ والمفسدين، والكفرِ والكافرين، والشركِ والمشركين، والنفاقِ والمنافقين، ويتعلَّق الوعيدُ بالعاملين مِن الكفار والمنافقين والمشركين، وكذا ما يقابل ذلك ؛ يتعلقُ المدحُ والحبُ بالأعمال الصَّالحة والعاملين، بالإيمان والمؤمنين، والتقوى والمتقين، وبالهدى والمهتدين، فبطلَ بذلك قولُ المفترين الجاهلين الملبِّسين بالتَّفريق بين الأعمال والعاملين لإرضاء الكافرين والتلبيس على الجاهلين من المسلمين، نسأل الله أن يهدينا الصراط المستقيم؛ صراطَ المنعَم عليهم غير المغضوب عليهم والضالين، وصلَّى الله وسلَّم على نبيِّنا محمَّد .

أملاه:
عبدالرَّحمن بن ناصر البراك
في ضحى الخميس العاشر من ذي القعدة 1437هــ

 

 


الحاشية السفلية

الحاشية السفلية
1 متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه، رواه البخاري(١٣٨٤)، ومسلم (٢٦٥٩).
2 جاء في الحديث: أربعة يوم القيامة يدلون بحجة: رجل أصم لا يسمع، و رجل أحمق، ورجل هرم، ومن مات في الفترة.. وفيه: “فيرسل إليهم رسولا أن ادخلوا النار فو الذي نفسي بيده لو دخلوها لكانت عليهم بردا وسلاما”، وفي لفظ: “فمن اقتحمها كانت عليه برداً وسلاماً، ومن لا حقَّت عليه كلمة العذاب”، وفي معناه أحاديث أخر، انظر مسند أحمد 4/24، وصحيح ابن حبان (1827) وغيرهما، وانظر تخريجه في السلسلة الصحيحة للألباني 3/419 (1434)، قال ابن عبد البر في التمهيد 18/130: “روي هذا المعنى عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث الأسود بن سريع، وأبي هريرة، وثوبان، بأسانيد صحيحة من أسانيد الشيوخ”، وصحح هذا المعنى ابن تيمية في الصفدية 2/244، وصحح ابن القيم إسناد هذا الحديث في أحكام أهل الذمة 2/1139، وجوده ابن كثير في جامع المسانيد (443).
3 صحيح مسلم (144).