الحمد لله، دلّت النّصوص على أنّ الشّرك فيه أكبر وأصغر، فالأكبر: منافٍ لأصل الإيمان والتّوحيد، وموجبٌ للردّة عن الإسلام، والخلود في النّار، ومحبطٌ لجميع الأعمال، والصّحيح أنّه هو الذي لا يُغفَر كما قال تعالى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}(النساء:48)، وأمّا الشرك الأصغر: فهو بخلاف ذلك، فهو ذنبٌ مِن الذنوب التي دون الشرك الأكبر، فيدخل في عموم قوله تعالى: {وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء}.
وهو أنواع:
– شرك يكون بالقلب: كيسير الرّياء، وهو المذكور في قوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أخوفُ مَا أخافُ عَليكم الشّركُ الأصغرُ) فسُئل عنه، فقال: (الرّياء) (الترغيب والترهيب:1/52).
– ومنه ما هو مِن قبيل الألفاظ: كالحلف بغير الله، كما قال -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَنْ حلفَ بغيرِ الله فقدْ أشركَ) (مسند أحمد:7/199).
– ومنه قول الرجل: "لولا الله وأنت، وهذا مِن الله ومنك، ولولا كليبة هذا لأتانا اللصوص، ولولا البط في الدار لأتانا اللصوص"، كما جاء في الأثر المروي عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {فَلاَ تَجْعَلُواْ لِلّهِ أَندَاداً وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ}(البقرة:22)، ومنه قول الرجل: ما شاء الله وشئت.
وقد ذكر بعضُ أهل العلم أنّ الشّرك الأصغر عند السّلف أكبر مِن الكبائر، ويشهد له قول ابن مسعود -رضي الله عنه-: (لأنْ أحلف بالله كاذبًا أحب إليّ من أن أحلف بغيره صادقًا). ومعلوم أنّ الحلف بالله كذباً هي اليمين الغموس، ومع ذلك رأى أنها أهون من الحلف بغير الله.
والذي يظهر -والله أعلم- أنّ الشّرك الأصغر ليس على مرتبة واحدة، بل بعضه أعظم إثمًا، وتحريمًا من بعض، فالحلف بغير الله أعظم مِن قول الرجل: "ما شاء الله وشئت" لأنّه جاء في حديث الطفيل الذي رواه أحمد وغيره أنّ الصّحابة -رضي الله عنهم- كانوا يقولون: "ما شاء الله وشاء محمد" ولم ينههم -صلّى الله عليه وسلّم- عن ذلك في أول الأمر، حتى رأى الطفيل الرؤيا وقصّها على النبي -صلّى الله عليه وسلّم-: فخطبهم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- ونهاهم عن ذلك، وقال: (إنّكم كنتم تقولون كلمةً كانَ يمنعني الحياءُ منكم أنْ أنهاكم عنها، لا تقولوا: ما شاءَ اللهُ وشاءَ محمّد)(صحيح المسند:520). وفي رواية: (قولوا: ما شاءَ اللهُ ثمّ شاءَ محمّد).
والظاهر أيضًا: أنّ قول السّلف "الشرك الأصغر أكبر من الكبائر" يعني مما هو من جنسه كالحلفِ، فالحلفُ بغير الله أكبر مِن الحلف بالله كذبًا كما في أثر ابن مسعود، وجنس الشّرك أكبر مِن جنس الكبائر، ولا يلزم مِن ذلك أن يكون كلما قيل: إنّه شرك أصغر يكون أكبر مِن كلّ الكبائر، ففي الكبائر ما جاء فيه مِن التغليظ، والوعيد الشّديد ما لم يأت مثلُه في بعض أنواع الشرك الأصغر، كما تقدم في قول الرجل: ما شاء الله وشئت. والله أعلم.