الحمدُ لله، والصَّلاة والسَّلام على رسول الله ؛ أمَّا بعدُ :
فيا أيُّها المسلمون في كازاخستان، أوصيكم بِمَا وصَّى اللهُ به عباده المؤمنين مِن التَّقوى والاستقامة والاعتصام بحبله والاجتماع على ذلك والحذر مِن الفرقة، قال تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ [آل عمران:102-103].
وأخصُّ بوصيَّتي هذه طلابَ العلم والمتصدّين للدَّعوة إلى الله، حتى يكونوا قدوة في التَّقوى والاستقامة واجتماع الكلمة، وعلى الجميعِ التَّعاون على البرِّ والتَّقوى، والأمر بالمعروف والنَّهي عن المنكر بحسب الاستطاعة، واعلموا أيُّها المسلون أنَّ أعظم نعمة أنعمَ اللهُ بها عليكم نعمةُ الإسلامِ التي ضلَّ عنها أكثرُ النَّاس: وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يُؤْمِنُونَ.
واعلموا أنَّ الاستقامة على الإسلام لا تحصلُ إلا بالعلم بِمَا بعثَ الله به رسوله مِن الكتاب والحكمة، ثم الاجتهاد في العمل به والحذر مما يخالفُ ما جاءَ به الرَّسولُ مِن الهدى ودين الحق؛ قال تعالى: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ [التوبة:33]، وبهذا يتحقَّقُ اتّباع رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي هو سببُ الفلاح والهداية في الدنيا والأخرة؛ قال تعالى: فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ [الأعراف:158]، وقال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31].
أيّها المسلون في كازاخستان: إنَّ الإسلام الصَّحيح غريبٌ في هذا العصر الذي تكاثرت فيه الفتن المضلّة، وكثرَ فيه دعاةُ الكفر والإلحاد وأهل الشَّر والفساد، فتمسَّكوا بدينكم واصبروا على ما تلقون مِن الأذى، واقتدوا بنبيّكم محمَّد -صلَّى الله عليه وسلَّم- ومَن قبله مِن رسل الله في صبرهم على التَّكذيب والأذى، قال تعالى: وَلَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلَى مَا كُذِّبُوا وَأُوذُوا حَتَّى أَتَاهُمْ نَصْرُنَا [الأنعام:34].
واعلموا أنَّكم إذا تمسَّكتم بدينكم وصبرتم كنتم مِن الغرباء الذين قالَ فيهم الرَّسولُ -صلَّى الله عليه وسلَّم-: (طُوبَى للغُرَبَاءِ، قيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَنِ الْغُرَبَاءُ؟ قَالَ: الَّذِينَ يُصْلِحُونَ إِذَا فَسَدَ النَّاسُ) وفي رواية: (يُصلِحونَ ما أفسدَ النَّاسُ)، فهم صالحون في أنفسهم ومُصلِحون لغيرهم، يعملون الصَّالحات ويدعون إلى الخير، ويُعلِّمون النَّاسَ، يوالون أولياء الله ويعادون أعداء الله.
واعلموا أيّها المسلمون أنَّ أعظمَ الواجبات على المسلم -بعد إخلاص الدّين لله- الصَّلواتُ الخمس التي كتبها اللهُ على عباده، فإنَّها عمودُ الإسلام، ومع ذلك فقد فرَّط فيها أو في بعض واجباتها كثيرٌ مِن المسلمين جهلًا واتّباعًا للشهوات، وقد ذمَّ الله المضيِّعين للصَّلوات المتَّبعين للشهوات؛ فقال تعالى: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا [مريم:59].
ثم أوجبُ الواجبات بعد الصَّلاة إيتاءُ الزَّكاة، فهذه الثلاثةُ: الإخلاصُ والصَّلاةُ والزَّكاةُ أهمُّ أركان الإسلام، قال تعالى: وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ [البينة:5] فأقيموا الصَّلاة أيّها المسلمون، وحافظوا عليها في أوقاتها، واحذروا مِن تضيعها؛ حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238]، وربُّوا عليها أولادكم ومُروا بها أهليكم، قال تعالى: وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا [طه:132]، وقال صلَّى الله عليه وسلَّم: (مُرُوا أَوْلادَكُمْ بِالصَّلاةِ بسَبْعِ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا بعَشْرٍ، وَفَرِّقُوا بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ).
ثمَّ اعلموا أنَّ دينَ الإسلام يقومُ على أصلين؛ التَّوحيدُ: وهو عبادة الله وحده لا شريك له، وجميعُ رُسل الله متَّفقون على ذلك، فكلُّ رسولٍ يقول لقومه: اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ. الأصل الثاني: اتّباع الرَّسول صلّى الله عليه وسلَّم، وهذان الأصلان هما مقتضى شهادة "أن لا إله إلا الله وأن محمَّدًا رسول الله"، ولابدّ أن يتحقَّقَ هذان الاصلان في كلّ عبادة، فلا تكون العبادة عملًا صالحًا إلا بشرطين: الإخلاصُ فيها لله، وضدُّ ذلك الشّركُ، ومِن الشّرك الرّياءُ، الشَّرطُ الثَّاني: موافقةُ أمر الرَّسول صلّى الله عليه وسلَّم، وضدُّ ذلك البدعة؛ لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب:21].
ثم اعلموا أيُّها المسلمون أنَّ مما ينافي تحقيقَ التَّوحيد وطاعة الرَّسول -صلّى الله عليه وسلَّم-: موالاةُ الكافرين أعداء الله وأعداء المؤمنين، وكما يجبُ موالاة المؤمنين بعضهم بعضًا يجبُ بغضُ الكافرين والبراءة منهم ومِن دينهم؛ قال تعالى: وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ [التوبة:71]، وقال تعالى : لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً [آل عمران:28] المعنى: أن تُظهروا لهم المودة خوفًا مِن شرّهم.
وقال تعالى: لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ.. إلى قوله: أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ [المجادلة:22]، ومعنى الآية: أنَّ المؤمنين بالله واليوم الآخر لا يوادّون الكافرين ولو كانوا مِن أقرب النَّاس إليهم، وهؤلاء المؤمنون الذين يوالون أولياء الله ويعادون أعداءه هم حزبُ الله وهم المفلحون، والكفارُ والمنافقون هم حزبُ الشَّيطان وحزبه هم الخاسرون، فمَن منَّ اللهُ عليه وهداه إلى الإيمان بالله ورسوله واليوم الآخر فليحمدِ لله وليشكره على ما أعطاه؛ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ [الحجرات:17].
ثم مِن شكرِ الله على الهداية للإيمان الدَّعوةُ إلى الله بنشرِ محاسن الإسلام، وبيان فرائضه، وأحكامه، وأخلاقه، وفضائله، وتعليم ذلك كلّه للنَّاس، فجدُّوا واجتهدوا أيّها المسلمون الذين مَنَّ اللهُ عليهم بمعرفة دين الإسلام، فإنَّ الدَّعوة إلى الله وتعليم النَّاس الخيرَ هي سبيلُ الرَّسول -صلّى الله عليه وسلَّم- وأتباعه؛ قال تعالى: قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي [يوسف:108]، تكونون بذلك صالحينَ ومُصلحين، وكونوا قدوةً في الخير، وتخلَّقوا بأخلاق الإسلام تكونون مهتدين، ومِن أخلاق الإسلام: الإحسانُ إلى النَّاس بإنفاق المال سرًّا وعلانًا، والعفو عن المسيء، والتَّوبةُ والاستغفار، قال اللهُ تعالى في الجنَّة التي عرضها السَّموات والارض: أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ * ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ [آل عمران:133-134].
وتمامُ ذلك بالتَّوبة والاستغفار مِن الذّنوب، والحذر مِن الإصرار، قال تعالى: وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَٰحِشَةً أَوۡ ظَلَمُوٓاْ أَنفُسَهُمۡ ذَكَرُواْ ٱللَّهَ فَٱسۡتَغۡفَرُواْ لِذُنُوبِهِمۡ وَمَن يَغۡفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمۡ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ١٣٥ أُوْلَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغۡفِرَةٞ مِّن رَّبِّهِمۡ وَجَنَّٰتٞ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَنِعۡمَ أَجۡرُ ٱلۡعَٰمِلِينَ [آل عمران:135-136].
ثبَّتنا اللهُ وإيّاكم على دينه، وعصمنا مِن مضلَّات الفتن، وجعلنا هداةً مهتدين، ومِن حزبه المفلحين، ربَّنا اغفر لنا ذنوبنا، وكفِّر عنا سيئاتنا، وتوفَّنا مع الأبرار، واعفُ عنَّا واغفر لنا وارحمنا أنت مولانا فانصرنا على القوم الكافرين، وصلَّى الله على نبيِّنا محمَّد وعلى أله وصحبه وسلَّم.
عبد الرَّحمن بن ناصر البرَّاك
حرر في يوم الأحد الموافق 1/ ذو الحجة/ 1434هـ