قوله تعالى: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ [يوسف: 101].
هذه الآية خاتمة لقصَّة "يوسف"، وقد تضمَّنت مناجاة يوسف -عليه السَّلام- لربِّه، وتذللـه له، واعترافه بِمَا أنعمَ به عليه، مِن الملك والعلم، وغايةُ هذه المناجاة سؤال حسن الخاتمة؛ تَوَفَّنِي مُسْلِمًا وَأَلْحِقْنِي بِالصَّالِحِينَ. وقد توسَّل إلى الله في هذه المناجاة لنيل غايته بأنواع مِن التَّوسل:
1 . الاعتراف بنعمه سبحانه: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ.
2 . والاعتراف بربوبيَّته العامة: فَاطِرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ.
3 . الاعتراف بولايته الخاصَّة: أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ.
وخَتْمُ القصةِ بهذه المناجاة مِن بديع البيان، ومِن حُسنِ الختام، فصلواتُ الله وسلامُه على الكريمِ ابن الكريمِ ابن الكريم؛ يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، عليه وعلى آبائه وسائر النَّبيين وعلى خاتمهم سيد المرسلين نبيّنا محمَّد صلَّى الله عليه وعليهم وسلَّم أجمعين، هذا؛ ويحسنُ هنا ذكرُ ما جاء في الشَّرع مِن أنواع التَّوسل في الدُّعاء، وهي:
1. التَّوسل إلى الله بأسمائه وصفاته، وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180]، وشواهد هذا في السُّنِّة كثيرة، ومِن ذلك ما تضمَّنه سيدُ الاستغفار: (اللهم أنتَ ربّي لا إلهَ إلَّا أنتَ، خَلقتَني وأنا عبدُكَ، وأنا عَلى عَهدِكَ ووعْدِكَ ما استطعتُ، أعوذُ بِكَ مِن شَرِّ ما صَنعْتُ، أبوءُ لكَ بنعمَتِكَ عليَّ وأبوءُ لكَ بِذَنْبي، فاغفرْ لي فإنَّه لا يَغفِرُ الذُّنوبَ إلَّا أنتَ).
2. التَّوسل إلى الله بالافتقار إليه، والاعتراف له بإنعامه، والاعتراف بالتَّقصير، كما في سيد الاستغفار: (أبوءُ لَكَ بنعْمَتِكَ عليَّ وأبوءُ لَكَ بِذَنْبي).
3. التَّوسل إلى الله بالإيمان والعمل الصَّالح، كما في قوله تعالى عن عباده الذَّاكرين: رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ [آل عمران:193] الآيتين، وكما في قصّة الثَّلاثة؛ أصحاب الغار.
4. التَّوسل إلى الله بالفقر إليه في رزقه وكشف ضرّه، كما في قول موسى عليه السَّلام: رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ[القصص:24]، وقول أيوب عليه السَّلام: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ[الأنبياء:83].
5. التَّوسُّل بدعاء مَن دعا مِن نبيّ وصالحٍ، كما في قول عمر رضي الله عنه: اللهم إنَّا كنَّا نتوسَّلُ إليكَ بنبيِّنا -أي بدعائه- وإنَّا نتوسَّلُ إليكَ بعمِّ نبيِّنا -أي بدعائه-.
عبد الرَّحمن بن ناصر البَّراك
11 ذو القعدة 1437هـ