الرئيسية/المقالات/اعتماد الرؤية في ثبوت الشهر

اعتماد الرؤية في ثبوت الشهر

اعتماد الرّؤية في ثبوت الشّهر

الحمد لله وحده، وصلّى الله وسلم على محمّد وآله وصحبه، أما بعد:
فقد ذكر الشيخ "يوسف القرضاوي" في كتابه "فقه الصيام" -صفحة30- : مسألة ما يثبت به دخول شهر رمضان وشهر شوال مِن الرؤية والحساب ، وقرّر أنّ دلالة الحساب قطعيّة، وشهادة الشّهود بالرؤية ظنيّة، فإذا تعارضتا: وجب تقديم ما قاله أهل الحساب، ومع ذلك رجّح الشيخ "القرضاوي" الاعتماد على الحساب في النّفي، أي: في نفي وجود الهلال، ونفي إمكان الرؤية، فإذا قرّر الحاسبون أنّه لا يوجد الهلال: وجب ردّ شهادة مَن شهد برؤيته، وأيَّد ما ذهب إليه بما نقله عن السّبكي، مما يتضمن معنى ما ذكره واختاره، وأقول: 
يـَرِدُ على هذا التقرير أمور:
1-أن دعوى القطع في دلالة الحساب تفتقر إلى برهان، ولم يُذكر في التقرير.
2-أنّه لو فُرض أنّ دلالة الحساب في ذاته قطعيّة: فطريق العلم بها هم الحاسبون، والواقع أنّهم يختلفون، وشهادتهم بدلالة الحساب تتوقف على عدالتهم والعلم بإتقانهم لعلم الحساب الفلكي، ومع ذلك يلزم أن يكون علم الأمّة بما أفاده الحاسبون ظنياً لا يكون قطعياً إلّا إذا توافر مِن الحاسبين عدد التواتر ولم يخالفهم غيرهم.
3-أنّ الاعتماد على الحساب في عدم ثبوت الشهر دون ثبوته-أي في النّفي دون الإثبات- تناقض، فإنّه إذا صحّ أن يكون دليلاً في النفي: وجب أن يكون دليلاً في الإثبات.
4-أنّ الاعتماد على الحساب في النفي يلزم منه:
أولاً: ردّ شهادة الشهود بالرؤية، وفي هذا إلغاءٌ لما اعتبره الشّارع في قوله -صلّى الله عليه وسلم-: (صُوموا لِرؤيَتِهِ وأفطروا لِرؤيتِهِ) الحديث، واعتبارٌ لما ألغاه الشّارع مِن الحساب.
ثانياً: أنّ إثبات دخول الشّهر بالرؤية مشروطٌ بعدم دلالة الحساب على نفي وجود الهلال، وعلى هذا فلا يثبت الشّهر إلا بمجموع الأمرين: الرؤية والحساب، وفي هذا ما فيه من مخالفة العقل والشّرع، ففيه تقديم العلم النّظري على العلم الحسّي.

وما ذكره عن السبكي مِن أنّ خبر الحاسب قطعيّ، وخبر الشّاهد بالرؤية ظنيّ، يُقال: هذه غفلة مِن السّبكي رحمه الله، ومِن عجائب بعض العلماء والأذكياء أن يغفلَ عن الأمر الواضح البيّن، ومِن ذلك: أن يقبلَ خبر واحد يثق به، ويردّ به خبر عدد مِن الثّقات العدول!! فالحاسب يجوز عليه الكذب في خبره، والخطأ في حسابه، فلا يُفيد خبره إلا ظنّاً، وكلّ ما أورده السّبكي على شهادة الشهود يـَرِدُ مثله على خبر الحاسب، بل وروده عليه أقوى؛ والسّبكي في هذا التقرير جعل خبر الحاسب مفيداً للقطع فيوجب ردّ شهادة مَن شَهد بالرؤية لأنّها ظنيّة فلا يعارض بها القطعي، وهذا سر الغفلة في هذا التقرير، بل إذا اعتبرنا خبر الحاسب الثّقة بيّنة وخبر العدل الشّاهد بالرؤية، وهو بيّنة شرعية، فإذا تعارضتا: فقد تتكافآن مِن حيث مقومات قبول الخبر، كأن يكونا ثقتين عدلين، وقد تترجّح إحداهما على الأخرى، وبكل حال يجب ترجيح الشّهادة بالرؤية مِن العدل لدلالة الشّرع على اعتبارها، كما قال -صلى الله عليه وسلم-: (صُوموا لِرؤيتِهِ وأفْطِروا لِرؤيتِهِ).
والله أعلم، وصلّى الله على محمّد وعلى آله وصحبه وسلم.

أملاه:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك