الرئيسية/المقالات/زلزال اليابان آيات وعبر

زلزال اليابان آيات وعبر

زلزال اليابان: آيات وعبر
 
الحمدُ الله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن ولاه، وبعد:
فإنّ مِن الأحداث الحاضرة في الأذهان وفي الإعلام: زلزال اليابان، وهو مِن جنس الأحداث التي يُحدِثها اللهُ هنا وهناك بمشيئته ولحكمة يعلمها، والمؤمنون بالله وكتابه ورسوله يعلمون أنّ هذه الحوادث -وغيرها مما يقع في هذا الوجود وفي نواحي الأرض- جارية بقدر، فإنّهم يؤمنون بأنّه لا يكون في العالم العلوي والسّفلي حركةٌ ولا سكونٌ إلا بمشيئته سبحانه، وعلى وفق ما سبق به علمه وقدره، ويؤمنون بأنّ لله في كل أقداره حكماً بالغةً، وهذا الزلزال وأمثاله من الكوارث الكونيّة له معان ودلالات، منها:
– أنّه آيةٌ مِن آيات الله الدّالة على قدرتِه على التّصرف في هذا الوجود.
– ومنها: تخويف البشريّة مِن حلول النكبات، وتحذيرهم مِن التمادي في الكفر والطغيان.
– ومنها: عقوبة مَن حلّت بهم، وربّك أعلمُ بمواقع قدره، وكلّ الأمم الكافرة مستحقّةٌ لعقوبات الله العاجلة والآجلة: وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ وَعْدُ اللّهِ(الرعد: 31)

ومِن سننه -تعالى- أن يُعاجلَ بعض َالكافرين بعقاب يهلكُ به أقوامٌ وينجو منه آخرون، فيزداد جرمهم إذا لم يتذكروا، كما قال تعالى: فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُّفَصَّلاَتٍ فَاسْتَكْبَرُواْ وَكَانُواْ قَوْماً مُّجْرِمِينَ(الأعراف:133)
وقال تعالى: وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ(المؤمنون:76) وهؤلاء أسوء حالًا مِن الهالكين.
ويُملي -سبحانه- لآخرين ممّن هم أكفرُ وأطغى؛ استدراجاً منه بهم ومكراً: وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُواْ إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ(آل عمران:178( سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ(الأعراف:182)
وقال صلى الله عليه وسلم: (إنّ اللهَ لَيملي للظالمِ حتّى إذا أخذَهُ لمْ يفلتهُ) متفق عليه.
وأظلمُ الظلم: الكفرُ والشّرك، وليس الظلم في الحديث مختصاً بالظلم بين العباد كما يسبق لأذهان كثيرٍ مِن الناس؛ والأمم الكافرة هم عن الدين الحقّ -الذي هو دين الإسلام الذي بعث الله به خاتمَ الأنبياء- هم بين مُعرضين، ومستكبرين، ومتعصّبين، وكلّهم لأهوائهم مُتبّعون.
ولأكثر المسلمين نصيبٌ مِن أحوال الكافرين في العقائد والأعمال والأخلاق، فعليهم أن يعتبروا بالقوارع التي تحلّ في ديارهم أو ديار الكافرين.

ومِن الجهل الفاضح والضّلال البيّن أن يتفوّه بعضُ المسلمين مِن الإعلاميين وغيرهم زاعمين أنّ هذه الحوادث كوارث طبيعية، يريدون أنّها تقعُ صدفة لا عن تقدير سابق، أو لا لمعانٍ اقتضتها، وهذه العبارة مِن عبارات الملحدين الذين يعتقدون أن لا مدبّر لهذا الوجود، وإن كان مَن يطلقها مِن المسلمين يبرأ مِن هذا الاعتقاد، فالواجب الحذر مِن إطلاق الألفاظ المشعرة بالمعاني الكفريّة والباطلة.
وعلينا نحن المسلمين مع الإيمان بالله وقدره وحكمته: أن نفرح بحلول العقوبات على الكافرين المعادين للإسلام، المعتدين على المسلمين، بل وندعو عليهم بذلك، ولسنا كذلك مع الكفار المسالمين.

وسنّة الله في أخذه للأمم العاصية تجري على جميعهم صغيرهم وكبيرهم، ثم يحكم الله تعالى فيهم يوم القيامة بعدله، وهو أعلم بهم، ويشبهُ هذا ما جاء عنه -صلى الله عليه وسلم- في الجيش الذي يغزوا الكعبة فيخسف بأولهم وآخرهم، وفيهم مَن ليس منهم ثم يبعثون على نياتهم (أصله في الصحيحين(
هذا ونسأل الله تعالى أن يرفع عنا الفتن والعقوبات وأسبابها، وأن لا يؤاخذنا بما كسبت أيدينا، وأن يعفو عنّا وهو العفو الغفور. وصلى الله وسلم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم. حرر في: 1432/4/9 هـ.

أملاه:
 عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك