الحمدُ لله، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه، أمّا بعد:
الحكمة مِن إنزال القرآن: التّدبّر والتّذكّر، قال تعالى: كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ(ص:29)
والمقصودُ مِن التّدبّر: فهمُ معاني القرآن، ومعرفةُ مراد الله مِن كلامه، والمقصودُ مِن التّذكّر: العملُ به، وعلى قارئ القرآن أن يحذرَ ممّا يحولُ بينه وبين فهم القرآن الذي هو المقصود، ومِن ذلك: الاهتمام بمصطلحات علم التّجويد والمبالغة في ذلك، وكذلك الاهتمام بوجوه الإعراب، وما ينشأ عنها مِن كثرة الاحتمالات.
قال شيخ الإسلام: (ولا يجعلُ همته -أي: قارئ القرآن- فيما حُجب به أكثر النّاس مِن العلوم عن حقائق القرآن، إمّا بالوسوسة في خروج حروفه، وترقيقها، وتفخيمها، وإمالتها، والنّطق بالمدّ الطويل والقصير والمتوسط، وغير ذلك؛ فإنّ هذا حائل للقلوب، قاطع لها عن فهم مراد الرّبّ مِن كلامه، وكذلك شغل النطق بـ "أأنذرتهم"، وضمّ "الميم" من "عليهم"، ووصلها "بالواو" وكسر "الهاء" أو ضمها، ونحو ذلك. كذلك مراعاة النّغم وتحسين الصوت، وكذلك تتبّع وجوه الإعراب واستخراج التأويلات المستكرهة التي هي بالألغاز والأحاجي أشبه منها بالبيان)
وتذكّر أيّها المسلم أنّ القرآن كتابٌ مِن الله إليك، إذاً: أليس مِن حقّ ربّك عليك أن تتدبّرَ كتابه إليك لتعرف مراده منك؟ وتعمل به كما يحبّ: فتمتثل أوامره، وتقف عند حدوده، وتجتنب نواهيه، وتحلّ حلاله، وتحرّم حرامه، وتعمل بمحكمه، وتؤمن بمتشابه، فيظهر عليك أثرُ الإيمان بالقرآن في كلّ أحوالك، في أقوالك وأفعالك. وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. حرر في: 1434/9/4 هـ
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك