تنبيه على خطأ في بعض كتب التّفسير
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ..
الحمدُ لله، وصلّى الله وسلّم على محمّد، أمّا بعد:
فقد درجَ بعضُ المهتمّين بالتّفسير في هذا العصر والمجتهدين في تيسير فهْم معاني القرآن على وجه الاختصار، درجوا على تفسير "الإيمان" بالتّصديق، في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فيقولون: أي "صدَّقوا"
وتفسيرُ "الإيمان" بمطلق التّصديق: مسألةُ نزاعٍ بين العلماء، فمرجئةُ الفقهاء يُفسّرون الإيمانَ بالتّصديق، كما هو في اللغة عندهم، لذلك يُخرجون الأعمال عن مسمّى "الإيمان". وأئمةُ السّنّة يقولون: الإيمانُ قولٌ وعملٌ، ويمنعون تفسيره بمجرّد التّصديق.
ثم إنّ المصنّفين في التّفسير يتأثّرون بمذاهبهم في هذه المسألة وغيرها؛ فمَن كانَ ممن يرى أنّ الإيمانَ في الشّرع هو التّصديق: فبدهي أن يفسّر (آمَنُوا) بصدَّقوا.
أمّا مَن يذهب مذهب أئمة السّنّة: فلا يقتصر في تفسير (آمَنُوا) بصدقوا، فلابدّ أن يأتي بعبارات تتضمّن المعنى الصّحيح للإيمان في الشّرع، تارة ببسطٍ وتارة باختصار، وتارة يجملون ولا يتعرّضون لتفسير اللفظ مفردًا، بل يعمدون إلى بيان المعنى المراد بالآية، كقولهم: "يأمرُ اللهُ عبادَه المؤمنين، أو يخاطبُ عبادَه المؤمنين، أو يا أيّها الذين آمنوا بما يجبُ الإيمان به، أو بما أُمروا بالإيمان به".
والمقترحُ أمام هذا الاختلاف والإشكال: تفسيرُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أي: صدّقوا بالله ورسوله واتّبعوه، فالذي يظهرُ أنّ هذه العبارة المقترحة لا يردُ عليها اعتراضٌ مِن قبل المانعين لتفسير "الإيمان" بمجرّد التّصديق؛ لأنّ اتّباع الرّسول يتضمّنُ العمل بما جاء به، وهو داخلٌ في تفسير "الإيمان" في هذه العبارة.
فيتبيّنُ مِن هذا أنّ التّقييد -بعطف الاتّباع على التّصديق في تفسير "الإيمان"- لا يُحتاج إليه فيما إذا عُطفَ على "الإيمان" العملُ الصّالح أو التّقوى، كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ(البقرة:277)، وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ(المائدة:65)
إذ مِن الممكن أن يُراد مِن "الإيمان": التّصديقُ واعتقادُ القلب، وبالأعمال والتّقوى عملُ القلب والجوارح. وإذا فسِّرَ "الإيمان" في الآيتين بما يعمّ العمل: كانَ العطفُ مِن عطف الخاصّ على العام، فلا يتعيّن أن يراد "بالإيمان" في الآيتين ونحوهما: التّصديق.
ومِن الأصول المقرّرة في التّفسير: اختلافُ معنى اللفظ بالإطلاق والتّقييد، والإفراد والاقتران؛ كالبرّ والتّقوى، والإثم والعدوان، والفقير والمسكين، والعبادة والركوع والسجود، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(الحج:77)
والله أعلم، وصلّى الله وسلّم على محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. حرر في: 1435/2/6 هـ
الحمدُ لله، وصلّى الله وسلّم على محمّد، أمّا بعد:
فقد درجَ بعضُ المهتمّين بالتّفسير في هذا العصر والمجتهدين في تيسير فهْم معاني القرآن على وجه الاختصار، درجوا على تفسير "الإيمان" بالتّصديق، في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا فيقولون: أي "صدَّقوا"
وتفسيرُ "الإيمان" بمطلق التّصديق: مسألةُ نزاعٍ بين العلماء، فمرجئةُ الفقهاء يُفسّرون الإيمانَ بالتّصديق، كما هو في اللغة عندهم، لذلك يُخرجون الأعمال عن مسمّى "الإيمان". وأئمةُ السّنّة يقولون: الإيمانُ قولٌ وعملٌ، ويمنعون تفسيره بمجرّد التّصديق.
ثم إنّ المصنّفين في التّفسير يتأثّرون بمذاهبهم في هذه المسألة وغيرها؛ فمَن كانَ ممن يرى أنّ الإيمانَ في الشّرع هو التّصديق: فبدهي أن يفسّر (آمَنُوا) بصدَّقوا.
أمّا مَن يذهب مذهب أئمة السّنّة: فلا يقتصر في تفسير (آمَنُوا) بصدقوا، فلابدّ أن يأتي بعبارات تتضمّن المعنى الصّحيح للإيمان في الشّرع، تارة ببسطٍ وتارة باختصار، وتارة يجملون ولا يتعرّضون لتفسير اللفظ مفردًا، بل يعمدون إلى بيان المعنى المراد بالآية، كقولهم: "يأمرُ اللهُ عبادَه المؤمنين، أو يخاطبُ عبادَه المؤمنين، أو يا أيّها الذين آمنوا بما يجبُ الإيمان به، أو بما أُمروا بالإيمان به".
والمقترحُ أمام هذا الاختلاف والإشكال: تفسيرُ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أي: صدّقوا بالله ورسوله واتّبعوه، فالذي يظهرُ أنّ هذه العبارة المقترحة لا يردُ عليها اعتراضٌ مِن قبل المانعين لتفسير "الإيمان" بمجرّد التّصديق؛ لأنّ اتّباع الرّسول يتضمّنُ العمل بما جاء به، وهو داخلٌ في تفسير "الإيمان" في هذه العبارة.
فيتبيّنُ مِن هذا أنّ التّقييد -بعطف الاتّباع على التّصديق في تفسير "الإيمان"- لا يُحتاج إليه فيما إذا عُطفَ على "الإيمان" العملُ الصّالح أو التّقوى، كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ(البقرة:277)، وقوله تعالى: وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ(المائدة:65)
إذ مِن الممكن أن يُراد مِن "الإيمان": التّصديقُ واعتقادُ القلب، وبالأعمال والتّقوى عملُ القلب والجوارح. وإذا فسِّرَ "الإيمان" في الآيتين بما يعمّ العمل: كانَ العطفُ مِن عطف الخاصّ على العام، فلا يتعيّن أن يراد "بالإيمان" في الآيتين ونحوهما: التّصديق.
ومِن الأصول المقرّرة في التّفسير: اختلافُ معنى اللفظ بالإطلاق والتّقييد، والإفراد والاقتران؛ كالبرّ والتّقوى، والإثم والعدوان، والفقير والمسكين، والعبادة والركوع والسجود، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ(الحج:77)
والله أعلم، وصلّى الله وسلّم على محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين. حرر في: 1435/2/6 هـ
أملاه:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك