بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
الحمدُ لله الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحقّ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون، صلّى الله عليه وسلّم وعلى آله وصحبه والتابعين، أمّا بعد:
فإن مما عمّت به البلوى وافتتن به كثير مِن الناس: التصويرُ بكاميرا الهاتف الجوال، الذي أصبح في يد أو جيب الرجال والنّساء والصّغار والكبار والأطفال، فتهيّأ لهم أن يصوروا كلّ شخص، وكلّ موقف ومشهد، عام أو خاص، يعنيهم أو لا يعنيهم، وقد يكون المصوَّر مِن خصوصيّات بعض النّاس وأسرارهم، وقد يكون في الصّور ما لا يجوز تصويره؛ للمفسدة المترتبة على تصويره، بقطع النظر عن حكم التصوير.
وقد ترتّب على فتنة التّصوير بالجوال مفاسد وشرور كثيرة، منها:
1. مخالفة ظاهر نصوص السنّة الدّالة على تحريم التّصوير، والتّغليظِ في ذلك بذكر الوعيد الشّديد، واللعن للمصوِّرين، وتأويلُ المتأوّلين واتّباعُ الهوى هو مصدر كلّ شر وقع في الأمة قديمًا وحديثًا، وإن كان المتأوّل المجتهد بعلم معذورًا، فالمتّبع لهواه مأزورٌ غير معذور.
وهذا التّصوير الذي افتُتن به الناس، واستحلُّوه ببعض الشبهات أقل أحواله أن يكون من المشتبهات، وقد قال الرّسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (مَن اتّقى الشّبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومَن وقع في الشّبهات وقع في الحرام)
2. تصوير مَن لا يرضى تصويره مِن الناس؛ فإن هذا مِن الاعتداء على حقّه، وتزداد المفسدة بنشر صورته، وقد يكون المصوَّر امرأة، فلا يحلّ تصويرها، ولا نشر صورتها، ولو رضيت؛ فإنّ ذلك قد يسبب طلاقها، إن كانت ذات زوج، أو الرغبة عنها إن كانت أيِّمًا، مع مفسدة النظر إلى صورتها ممن لا يحلّ له ذلك مِن الرجال الأجانب، ومِن ذلك تصوير ما هو مِن خصوصيات الإنسان بغير رضاه، كمجلسه وبيته وأثاثه، وتصوير أولاده، ونحو ذلك.
3. تصوير بعض الحفلات النّسائيّة؛ كالعرس ونحوه، ونشر هذه الصّور، مما يمكِّن الفضوليين والفاسقين مِن مشاهدة ما لا يحل النظر إليه، والاطلاع عليه.
4. تصوير بعض مشاهد المنكرات؛ كالاجتماعات والحفلات المختلطة، مع ما يكون فيها مِن تهتك ورقص مختلط مِن الرّجال والنّساء، ثم نشر ذلك بحجّة إنكار المنكر، وفضح الباطل وأهله، مما يمكِّن مرضى القلوب مِن النّظر لتلك المشاهد المنكرة، والتّمتع بها، وإذا كان ولابد فالواجبُ حفظ تلك الصّور للاحتجاج بها على المسؤول إذا كان لا يصدق المخبر العدل، أو أراد أن يغالط، وأما الإنكار العام فيكون بالكلام.
5. التصوير الفضولي، وهو ما لا مصلحة فيه، لا في دين ولا في دنيا، وإنّما الباعث هو الهوى ومحبّة التّصوير والفراغ، ومنه تصوير حفلات الرجال في مناسبات العرس ونحوه، وتصوير الزّوج ومَن معه عند دخولهم وخروجهم، ومِن التصوير الفضولي: تصوير المحاضرات في المساجد وحلق تحفيظ القرآن، وتصوير حفلاتهم بشبهة التوثيق، وخبرُ العدل أو الثقة أوثق من الصورة.
6. حفظ الصّور للذكرى، كما يقولون، ومِن أقبح ذلك تصوير الزّوجين، وحفظ صورتهما لهذا الغرض، فإن حفظ الصّور مما يمنع الملائكة مِن دخول البيت، لقوله -صلّى الله عليه وسلّم-: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه كلبٌ ولا صورة) ويخص من ذلك ما لا يحترم، وما لا يمكن التخلص منه؛ كالصور في الأوراق النقدية.
وإليك -أيها المسلم- بعض الأحاديث الدالة على تحريم التصوير:
فعن أبي هـريرة -رضـي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (قال اللهُ تعالى: ومَن أظلمُ ممن ذهبَ يخلقُ كخلقي، فليخلقوا ذرّة، أو ليخلقوا حبّة، أو ليخلقوا شعيرة) متفق عليه.
وفي الصّحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: قال رسولُ الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (أشدُّ النّاسِ عذابًا يوم القيامة الذين يضاهئون بخلق الله) ولهما عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: (كلّ مصور في النّار، يجعل له بكلّ صورة صوّرها نفس يعذب بها في جهنم) ولهما عنه مرفوعًا: (مّن صوّر صورة في الدنيا كُلِّف أن ينفخ فيها الرّوح، وليس بنافخ)
فعلى المسلم أن يتقي الله ويحتاط لسلامة دينه، ويحذر من اتباع الهوى، ولا يغتر بما عليه أكثر الناس، وكثرة الباطل لا تهونه، قُل لَّا يَسْتَوِى ٱلْخَبِيثُ وَٱلطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ ٱلْخَبِيثِ ۚ فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ يَٰٓأُوْلِى ٱلْأَلْبَٰبِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُون[المائدة:100]
نسأل الله البصيرة في الدين، وحسن القصد لطلب الحق، وصلّى الله وسلم على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين. حرر في: 29-4-1433هـ
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك