بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
الحمدُ لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمّا بعد:
فإنّ أعظم نعمة أنعم الله بها على البشرية رسالةُ محمدٍ -صلّى الله عليه وسلّم- الذي أرسله الله رحمةً للعالمين، وجعله خاتم النبيين؛ فلا نبي بعده، وأنزل عليه القرآن الذي هو أفضل كتب الله المنزَلة على رسله.
ذلك الكتاب -الذي هو أحسن الحديث- قد جعله الله تِبيانًا لكلِّ شيءٍ، وهدى ورحمةً وبشرى للمسلمين، وهو الكتاب الذي يهدي للطريقة الأقوم في كل قضيةٍ اعتقاديةٍ علميّة أو عمليّةٍ، وهو الشفاء لِمَا في الصُّدور، فيه نبأ الماضين، والخبر عما سيكون، فيه تعريف العباد بربهم، وما له مِن الأسماء والصفات، وأنّه الإله الحقُّ الذي لا يستحقّ العبادة سواه، وأنَّ كلَّ معبود سواه باطلٌ، وفيه تعريف العباد بالدِّين الذي لا يرضى الله دينًا سواه، وهو الإسلام؛ وهو دين الرُّسل كلِّهم؛ نوحٍ وإبراهيمَ وموسى وعيسى، قال تعالى: {شَرَعَ لَكُم مِّنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَن يَشَاء وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَن يُنِيبُ}[الشورى:13].
والقرآن هو الكتاب المشتمل على التشريعات الحكيمة في العبادات التي بين العبد وربّه، وفي المعاملات والعلاقات التي تكون بين الناس؛ مِن الأحكام السّياسيّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة والأسريّة وغيرها، ولهذا اتّخذه المسلمون منذ بعثة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- مع السُّنَّة -التي هي شرحٌ للقرآن- اتخذوهما مصدر تديُّنهم، وبنوا عليهما نظم حياتهم، لذلك كان القرآن عند المسلمين أعظمَ كتاب، وأفضلَ كتاب.
وأهمُّ ما يجب من تعظيمه: العملُ به وتحكيمه، ومن وجوه تعظيمه: أنَّ المصحف -الذي فيه القرآن- يجب احترامه، فلا يمسّه إلا طاهر، ويجب أن يُصان عن الامتهان، فمَن يتعمَّد من المسلمين امتهانَ القرآن، ويقصد ذلك -كما يفعل بعض السّحرة تقرُّبًا إلى الشّياطين- يكون كافرًا مرتدًا عن الإسلام.
ومحافظةً على حرمة المصحف جاء النهي مِن النّبي -صلّى الله عليه وسلّم- عن السفر بالقرآن إلى أرض العدو، فإنّ الكافر المحارب للمسلمين لا يُؤمَن على القرآن أن يمتهنه إمعانًا في عدائه للإسلام والمسلمين؛ كأن يحرقه أو يُلطِّخَه بالنجاسة، وأمّا المُعاهَد فلا يفعل ذلك، وإن فعله كان ذلك نقضًا لعهده.
ومِن الشّواهد على موقف العدو الكافر من القرآن -وهو الموجب لنّهي النّبي صلّى الله عليه سلّم عن السفر بالقرآن إلي أرض العدو- الشّاهد: ما نُشر قريبًا من خبر حرق القس الأمريكي «تيري جونز» لنسخة من القرآن، بعد القيام بتمثيلية محاكمةٍ للقرآن، وتضمَّنت المُحاكمة قاضيًا وهو القس، ومدعيًا وشهودًا، وهذا العمل إعلانٌ لعداوتهم للإسلام والمسلمين، فإنّ القرآن أعظمُ ما يعتز به المسلمون ويعظمونه ويرفضون كلّ ما يمت إلى امتهانه والطعن فيه، ويغضبون لذلك أشدّ مِن غضبهم إذا أعتدي على أشخاصهم.
فيجب على الحكومة التي وقع في دولتها ذلك الحدث أن تُنزِل بكلّ المشاركين فيه العقاب الرادع؛ لأنّ ذلك يخالف مقتضى العهد الذي بينهم وبين المسلمين، ويجب أن يُعلم أن جميع المشاركين في هذا الحدث دمهم هدر لا حُرمة له، فإنهم من أئمة الكفر الذين قال الله تعالى فيهم: {وَإِن نَّكَثُواْ أَيْمَانَهُم مِّن بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُواْ فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُواْ أَئِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ}[التوبة:12].
وبهذه المناسبة نُذكّر جميع الحكومات في البلاد الإسلاميّة أنّ عليهم أن يُحكّموا القرآن في سياستهم الدّاخليّة والخارجيّة، وفي جميع الشؤون الدينيّة والدنيويّة، فإن القرآن كفيل بكلّ ما يصلح به أمر الدنيا والآخرة، {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ وَيُبَشِّرُ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا كَبِيرًا}[الإسراء:9]، {وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ}[النحل:89].
نسألُ الله أن يصلح أحوال المسلمين، وأن ينصرهم على عدوهم، وأن يخزي هذا القس الكافر المعتدي ومَن أعانه أو أيّده على فعلته، والله مُخْزي الكافرينَ، {يُرِيدُونَ أَن يُطْفِؤُواْ نُورَ اللّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ * هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ}[التوبة:32-33]. حرر في: 16-5-1432هـ
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك