بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
الحمدُ لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاه، أمّا بعد:
فإلى الإخوة في اليمن؛ أكتبُ هذا التذكير والله أسأل أن ينفع به: لقد كان لليمن تاريخ مشرق في صدر الإسلام، فقد كان أهله أسبق إلى الإسلام مِن سائر الأقطار باستثناء الحرمين مكة والمدينة، لذا قال النّبي -صلّى الله عليه وسلّم-: (أتاكم أهلُ اليمنِ هم أرقُّ أفئدةً وألينُ قلوبًا، الإيمانُ يَمانٍ والحكمةُ يمانية) وقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (إني أجد نَفَسَ الرحمنِ من قِبَلِ اليمن)؛ أي تنفيسه، وقد كانت تأتي منه أمداد الجهاد، ولم يزل اليمن محضنًا لعلماء وصُلحاء، وإن جرى فيه وعليه من الفتن ما جرى على كثير من بلاد الإسلام.
وإنّه اليوم مِن خير البلاد الإسلاميّة مِن حيث ظهور شعائر الإسلام، ومن حيث السلامة من مظاهر التغريب التي مُنِية بها أكثر البلاد الإسلامية، ومن حيث نشاط الدعوة الإسلامية إلي التوحيد والمحافظة على الفرائض ومجانبة المخالفات الشرعية، لذا ندعو أهل اليمن كافة بمناسبة ما يجري هذه الأيام من الاختلاف إلى ما أمر الله به سبحانه في قوله: فَإِن تَنَٰزَعتُم فِي شَيءٖ فَرُدُّوهُ إِلَى ٱللَّهِ وَٱلرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱليَومِ ٱلأٓخِرِ ذَٰلِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلًا[النساء:59] وقوله تعالى: وَٱعتَصِمُواْ بِحَبلِ ٱللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ[آل عمران:103]، وقوله تعالى: وَأَطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَا تَنَٰزَعُواْ فَتَفشَلُواْ وَتَذهَبَ رِيحُكُمۖ وَٱصبِرُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلصَّٰبِرِينَ[الأنفال:46]
وفي الحديث: (إنّها ستكونُ فتنة) قلتُ: فما المخرج منها؟ قال: (كتاب الله) وفي الحديث الصحيح: (إنّها ستكوُن فتنٌ، القاعدُ فيها خيرٌ من القائم، والقائمُ فيها خيرٌ مِن الماشي، والماشي فيها خيرٌ مِن السّاعي، ومَن يُشْرِف لها تَستشرفه، ومَن وجدَ ملجأ أو مَعاذًا فليعذ به)
وأخطر الفتن على الأمة في دينها ودنياها: ما تسفكُ فيه الدّماء إتباعًا للأهواء، وتعصبًا للآراء، وتحقيقًا للأغراض الشخصية، فيجب على أهل اليمن حكومة وشعبًا الحذر من التمادي في هذا الطريق المدمِّر الذي لا تصلح به دنيا ولا دين، بل يعود ضرره على كل الأطراف، فسفك الدماء في ذلك النزاع حرام يبوء بإثمه كلّ مَن باشره أو أعان عليه أو دعا إليه.
ولاريب أنّ القتال في ذلك النزاع الجاري هو ِمن الفتن التي يجب اعتزالها، لأنّ غرض أكثر الداخلين فيه ليس إعلاء كلمة الله، بل مطالب دنيوية، لا يجوز أن تُراق الدماء في سبيلها ولو كانت حقوقًا مشروعة، بل حتى مِن له نيّة حسنة فنيّتهُ لا تسوغ له القتال في الفتنة، لتحذيره -صلّى الله عليه وسلّم- مِن الاقتتال بين المسلمين في قوله: (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتلُ والمقتولُ في النّار)
كما نؤكد في هذا المقام أنّ الواجب على الجميع تحكيمُ كتاب الله، وسنّة رسوله -صلّى الله عليه وسلّم- قال تعالى: فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَينَهُم ثُمَّ لَا يَجِدُواْ فِيٓ أَنفُسِهِم حَرَجًا مِّمَّا قَضَيتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسلِيمًا[النساء: 65]
ومِن حُكم الله: العملُ على الإصلاح بين المتنازعين، كما قال تعالى: إِنَّمَا ٱلمُؤمِنُونَ إِخوَةٌ فَأَصلِحُواْ بَينَ أَخَوَيكُم وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُم تُرحَمُونَ[الحجرات: 10] وأولي الناس بذلك هم أعيان الأمة من العلماء وذوي الرأي.
قال تعالى: لَّا خَيرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجوَىٰهُم إِلَّا مَن أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَو مَعرُوفٍ أَو إِصلَٰح بَينَ ٱلنَّاسِۚ وَمَن يَفعَل ذَٰلِكَ ٱبتِغَآءَ مَرضَاتِ ٱللَّهِ فَسَوفَ نُؤتِيهِ أَجرًا عَظِيمًا[النساء:114]
نسألُ الله أن يصلح أحوال أهل اليمن، وأن يرفع عنهم البلاء والفتن، والله أعلم وصلّى الله على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم. حرر في: 17-4-1432هـ
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك