الرئيسية/المقالات/المنهج الحق: اتّباع السنّة

المنهج الحق: اتّباع السنّة

المنهج الحقّ: اتّباع السّنّة
 
بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
الحمد لله، وبعد:
لقد بعث اللهُ نبيّنا محمّدًا -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق؛ ليظهره على الدّين كلّه ولو كره المشركون، وقد تحقّق هذا كما وعد -سبحانه وتعالى- فلم يزل النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- يدعو إلى الله ليلاً ونهارًا، سرًّا وجهرًا، بقوله وفعله، حتى دخل الناسُ في دين الله أفواجًا، فما مات –صلى الله عليه وسلم- حتى أكملَ اللهُ له ولأمته دينَهم، وأتمّ عليهم نعمته، كما جاء في الآية الكريمة التي نزلت على النّبي -صلى الله عليه وسلم- وهو واقف بعرفة، وقد ترك أمّته على المحجّة البيضاء ليلها كنهارها، يعني: أنه -صلى الله عليه وسلم- قد بيّن هذا الدّين أكملَ بيان، فبلّغ رسالات ربّه كما أمره الله بقوله: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ (المائدة: من الآية67)
 وأمرَ صحابته -رضي الله عنهم- أن يُبلّغوا، فقال في خطبته -في حجة الوداع-: (لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ مِنْكُمُ الغَائِبَ) وقال: (بَلِّغُوا عَنِّي وَلَوْ آيَةً) فقام أصحابه -رضوان الله عليهم- بالبلاغ والدعوة والجهاد؛ أسوة بنبيّهم -صلى الله عليه وسلم- وانتشر الإسلامُ بالمعمورة: شرقًا وغربًا.

وقد أخبرَ صلى الله عليه وسلم- أنّه يطرأ على هذه الأمة: افتراقٌ واختلافٌ، وبيّن أنّ الفرقة الناجية هم من كانوا على مثل ما كان عليه -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه -رضي الله عنهم- كما أخبرَ -صلى الله عليه وسلم- أنّ الإسلام بدأ غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ.
وقد وقع الأمر كما أخبر -عليه الصلاة والسلام- وبدأ الافتراق في الأمة منذ أن ظهرت الخوارج والرافضة، والمرجئة والقدرية، ثم تفرّعت الفرق وتعددت، وظهرت بدعةُ التّعطيل التي يُعرف أهلُها بمؤسسها "الجهم بن صفوان" وهم: "الجهمية" وتفرّع عن بدعة التعطيل فرقٌ شتّى، اضطربت مذاهبهم في صفات الله، وفي كلامه، وفي القدر، فغلبت على الأمة هذه المذاهب.
ولكنّ الله قد ضمن حفظ كتابه ودينه، فلم يزل في هذه الأمة من يقيم لها أمر دينها بالبيان، كما جاء في الحديث المشهور: (يَحْمِلُ هَذَا العِلْمَ مِن كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ يَنْفُونَ عَنْه انْتِحالَ المُبْطِلِينَ وتَأْوِيلَ الجَاهِلِينَ وتَحْرِيفَ الغَالِينَ) وفي الحديث الآخر: (إنَّ اللهَ يَبْعَثُ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائةِ سَنَةٍ مَن يُجَدِّدُ لهذه الأُمَّةِ أَمْرَ دِينِهَا)

ومع هذا الافتراق وهذا الاختلاف: لابدَّ مِن ردّ ما اختلفَ فيه الناسُ إلى كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- واعتبار ذلك بما كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- وإنهم كانوا على الهدى المستقيم، وقد وعد اللهُ بالرضا والجنّة: السّابقين الأوَّلين من المهاجرين والأنصار، والذين اتبعوهم بإحسان، كما قال تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (التوبة:100)
والحقّ إنّما يُعرفُ بدلالة كتاب الله وسنّة رسوله -عليه الصلاة والسلام- لا يُعرَفُ الحقُّ بالكثرة، فإنّ الله تعالى أبطلَ ذلك، حيث بيّن أنّ الكثرة لا يُعوَّل عليها، كما قال تعالى: وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَعْلَمُونَ (يوسف:21) وقال تعالى: وَلَـكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لاَ يَشْكُرُونَ (يوسف:38) وقال تعالى: وَإِن تُطِعْ أَكْثَرَ مَن فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَن سَبِيلِ اللّهِ (الأنعام:116)

والسنّة ما كانّ عليه أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ودلّت عليها نصوصُ الكتاب والسنة، و"الأشاعرة" فرقة مِن الفرق الإسلامية، وهم -وإن كانوا ينتسبون إلى السنة- فليس مذهبهم موافقًا لِمَا كان عليه الصحابة -رضي الله عنهم- وما دلّ عليه القرآن والحديث، فمذهب "الأشاعرة" يتضمّن أمورًا مخالفة: كنفي كثير من الصفات، حيث لا يُثبتون إلا سبعًا من الصفات، ويقولون: "إنّ الإيمانَ هو مُجرَدُ التّصديق". ويُخرِجون الأعمالَ عن مسمى الإيمان، وهذا مذهب المرجئة.
ومِن أصول مذهبهم: نفي تأثير الأسباب في مسبباتها، ومِن ذلك: نفي تأثير قدرة العبد في أفعاله، ومن ذلك قولهم: بأنّ كلام الله معنى نفسي لا يُسمع من الله؛ لأنه ليس بحرف ولا صوت، وأنّ هذا القرآن عبارة عن كلام الله ليس هو كلام الله حقيقة؛ فموسى لم يسمع كلام الله مِن الله، بل إنّ الذي سمعه: كلامٌ خلقه اللهُ في الشجرة، وهو عبارة عن المعنى النّفسي. وهذا: مِن أعظم التنقص لله، حيث يتضمّن هذا القولُ تشبيهَ الله بالأخرس.
ولا يُزكي هذه الأقوال إن قال بها بعضُ الأكابر والفضلاء مِن أهل العلم، فإنّهم غير معصومين، وما قالوه مِن هذه الأقوال المخالفة لمذهب السلف الصالح هو مما يُعدّ مِن أخطائهم التي لا يُتابعون عليها، وهم في ذلك مجتهدون ومأجورون.
والواجب على المسلم: أن يُحكِّم كتاب الله وسنة رسوله -عليه الصلاة والسلام- وألا يتعصّب لإمام، أو مذهب، فكلٌّ يُؤخذ مِن قوله ويردّ، إلا الرسول -صلى الله عليه وسلم- والله أعلم، والحمد لله رب العالمين. حرر في: 1425/12/21 هـ

أملاه:
عبدالرّحمن بن ناصر البرّاك