الرئيسية/شروحات الكتب/المنتقى في الأحكام الشرعية من كلام خير البرية/(57) باب ما يستدل به على تفسير آله المصلى عليهم
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(57) باب ما يستدل به على تفسير آله المصلى عليهم

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: السَّابع والخمسون

***      ***      ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قال الإمام مجد الدين عبد السلام بن تيمية الحراني رحمَه الله في كتابه "الـمُنْتَقَى في الأحكام الشرعية مِن كلامِ خيرِ البريةِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّمَ":

بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَفْسِيرِ آلِهِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِمْ

– الشيخ : "الْمُصَلَّى عَلَيْهِمْ": (وآلِهِ)، مَن الـمُرَادُ بـ "الآلِ"؟ فيهِ عِدَّةُ أقوالٍ:

قيلَ: "آلُهُ" يعني: أتباعُهُ على دينِهِ مِن الصحابةِ وغيرِهِم صلى الله عليه وعلى آلِهِ، ويكونُ عطفُ الصحابةِ -إذا قلتَ: "صلَّى اللهُ عليهِ وعلى آلِهِ وصحبِهِ"- كان مِن عطفِ الخاصِّ على العامِّ.

وفُسِّرَ -أيضاً- "الآل" بأهلِهِ -أهلِ بيتِهِ مِن أزواجِهِ وذريَّتِهِ-، وقد جاءَ هذا في بعضِ الرواياتِ، ولعلَّها هي التي يشيرُ إليها الـمُصَنِّفُ في هذهِ الترجمة يكونُ المعنى: وصلَّى الله على محمَّدٍ وعلى أزواجِهِ وذريَّتِهِ.

 

– القارئ : بَابُ مَا يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى تَفْسِيرِ آلِهِ الْمُصَلَّى عَلَيْهِمْ:

عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ السَّاعِدِيِّ أَنَّهُمْ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ؟ قَالَ: (قُولُوا: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَأَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْت عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكْتَالَ بِالْمِكْيَالِ الْأَوْفَى إذَا صَلَّى عَلَيْنَا أَهْلَ الْبَيْتِ فَلْيَقُلْ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ النَّبِيِّ، وَأَزْوَاجِهِ أُمَّهَاتِ الْمُؤْمِنِينَ، وَذُرِّيَّتِهِ، وَأَهْلِ بَيْتِهِ، كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ، إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ). رَوَاهُ أَبُو دَاوُد.

– الشيخ : لا إله إلا الله، الرواياتُ في الصلواتِ الابراهيميةِ مُتنوِّعةٌ، فمَن حَفِظَ عدةً مِن هذه الرواياتِ فَلْيَقُلْ بعضَها حيناً، ويقولُ أحياناً بلفظٍ ومرةً أخرى بلفظٍ آخرَ، فتكونُ مِن العباداتِ المتنوعةِ التي يُشرَعُ للإنسانِ أنْ يأتي بها مُتنوعةً تارةً وتارةً.

والـمُصَلَّى عليهِم مِن أزواجِهِ وذريَّتِهِ الذين استقامُوا على دينِهِ، أمَّا ذُريَّتُهُ الأَدْنَون فهؤلاءِ مَعروفونَ، أمَّا ذُريَّاتُهُم التي مِن بعدِهِم كَذُريّةِ الحَسَنِ والحسين وكذلكَ.. فهؤلاءِ كما قالَ اللهُ في إبراهيمَ: وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ.. [الصافات:113] يعني: ليسَ كلُّ مَن كانَ مِن ذريةِ الأنبياءِ يكونُ صالحاً، لا، منهم ومنهم، حتى قالَ الله لإبراهيمَ لَمَّا قالَ: وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة:124] إذاً فذريةُ إبراهيمَ فيهِم وفيهِم، فيهِم الأنبياءُ -ذريةُ إبراهيمَ- فيهِم الأنبياءُ وفيهِم الصالحونَ وفيهِم الظالمونَ لأنفسِهم، بل فيهِم الكفارُ.

ولا يُغْنِي عنهم، لا يُغْنِي عنهم النَّسَبُ شيئاً، فالنسبُ الذي بِه النجاةُ هو الإيمانُ والعملُ الصالحُ، فلا يُغَرُّ مَن كانَ يَنْتَسِبُ إلى بيتِ الرسولِ عليه الصلاة والسلام مَن كانَ ينتسبُ إلى أهلِ بيتِهِ فلا يُغَرُّ بنسبِهِ، عليه أنْ يُكَمِّلَ هذا الشرفَ بأصلِ الشرفِ وهو الإيمانُ والعملُ الصالحُ. نعم، اقرأ الشوكاني.

 

– القارئ : قالَ رحمَهُ اللهُ:

حديثُ أبي حُمَيْدٍ:

الْحَدِيثُ احْتَجَّ بِهِ طَائِفَةٌ مِنْ الْعُلَمَاءِ عَلَى أَنَّ الْآلُ هُمْ الْأَزْوَاجُ وَالذُّرِّيَّةُ، وَوَجْهُهُ" أَنَّهُ أَقَامَ الْأَزْوَاجَ وَالذُّرِّيَّةَ مَقَامَ آلِ مُحَمَّدٍ فِي سَائِرِ الرِّوَايَاتِ الْمُتَقَدِّمَةِ. وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا [الأحزاب:33] لِأَنَّ مَا قَبْلَ الْآيَةِ وَبَعْدَهَا فِي الزَّوْجَاتِ فَأَشْعَرَ ذَلِكَ بِإِرَادَتِهِنَّ، وَأَشْعَرَ تَذْكِيرُ الْمُخَاطَبِينَ بِهَا بِإِرَادَةِ غَيْرِهِنَّ. وَبَيَّنَ هَذَا الْحَدِيثُ وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ الْآتِي مَنْ هُمْ الْمُرَادُونَ بِالْآيَةِ وَبِسَائِرِ الْأَحَادِيثِ الَّتِي أُجْمِلَ فِيهَا الْآلُ.

وَلَكِنَّهُ يُشْكِلُ عَلَى هَذِهِ امْتِنَاعُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ إدْخَالِ أُمِّ سَلَمَةَ تَحْت الْكِسَاءِ بَعْدَ سُؤَالِهَا ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مُشِيرًا إلَى عَلِيٍّ وَفَاطِمَةَ وَالْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ: (اللَّهُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي)، بَعْدَ أَنْ جَلَّلَهُمْ بِالْكِسَاءِ.

وَقِيلَ: إنَّ الْآلُ هُمْ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَهُمْ بَنُو هَاشِمٍ، وَمِنْ أَهْلِ هَذَا الْقَوْلِ الْإِمَامِ يَحْيَى. وَاسْتَدَلَّ الْقَائِلُ بِذَلِكَ بِأَنَّ زَيْدَ بْنَ أَرَقْمَ فَسَّرَ الْآلُ بِهِمْ وَبَيَّنَ أَنَّهُمْ آلْ عَلِيٍّ وَآل جَعْفَرٍ وَآل عَقِيلٍ وَآل الْعَبَّاسِ كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، وَالصَّحَابِيُّ أَعْرَفُ بِمُرَادِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَكُونُ تَفْسِيرُهُ قَرِينَةٌ عَلَى التَّعْيِينِ.

وَقِيلَ: إنَّهُمْ بَنُو هَاشِمٍ وَبَنُو الْمُطَّلِبِ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ.

وَقِيلَ: فَاطِمَةُ وَعَلِيُّ وَالْحَسَنَانِ وَأَوْلَادُهُمْ. وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جُمْهُورُ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ الْكِسَاءِ الثَّابِتِ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، وَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِيهِ: (اللَّهُمَّ إنَّ هَؤُلَاءِ أَهْلُ بَيْتِي) مُشِيرًا إلَيْهِمْ.

وَلَكِنَّهُ يُقَالُ: إنْ كَانَ هَذَا التَّرْتِيبُ يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ بِاعْتِبَارِ الْمَقَامِ أَوْ غَيْرِهِ، فَغَايَةُ مَا فِيهِ إخْرَاجُ مَنْ عَدَاهُمْ بِمَفْهُومِهِ، وَالْأَحَادِيثُ الدَّالَّةُ عَلَى أَنَّهُمْ أَعَمُّ مِنْهُمْ كَمَا وَرَدَ فِي بَنِي هَاشِمٍ وَفِي الزَّوْجَاتِ مُخَصَّصَةٌ بِمَنْطُوقِهَا لِعُمُومِ هَذَا الْمَفْهُومِ، وَاقْتِصَارُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى تَعْيِينِ الْبَعْضِ عِنْدَ نُزُولِ الْآيَةِ لَا يُنَافِي إخْبَارَهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالزِّيَادَةِ؛ لِأَنَّ الِاقْتِصَارَ رُبَّمَا كَانَ لِمَزِيَّةٍ لِلْبَعْضِ أَوْ

– الشيخ : يعني أخصّ، المذكورون الذين جَلَّلَهُم الرسولُ بالكِسَاءِ هم أخَصُّ أهلِ بيتِهِ، أخصُّ أهلِ بيتِهِ، لا أنَّهُ على سبيلِ الحصرِ، ما قالَ الرسولُ: "ما هؤلاءِ إلا أهلُ بيتي"، لا، هؤلاءِ هم خاصةُ الرسولِ مِن أهلِ بيتِهِ، أخصُّ ولا يفيدُ الحصرُ، الحديثُ لا يُفيدُ الحصرَ، وقد دلَّتْ نصوصٌ أُخَر على أنَّ أهلِ البيتِ يدخلُ فيهم الأزواجُ، يدخلُ فيهم غيرُهم كآلِ جعفر.  

 

– القارئ : رُبَّمَا كَانَ لِمَزِيَّةٍ لِلْبَعْضِ، أَوْ قَبْلَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْآلُ أَعَمُّ مِنْ الْمُعَيَّنِينَ.

ثُمَّ يُقَالُ: إذَا كَانَتْ هَذِهِ الصِّيغَةِ تَقْتَضِي الْحَصْرَ فَمَا الدَّلِيلُ عَلَى دُخُولِ أَوْلَادِ الْمُجَلَّلِينَ بِالْكِسَاءِ فِي الْآلِ مَعَ أَنَّهُ مَفْهُومُ هَذَا الْحَصْرِ يُخْرِجهُمْ فَإِنْ كَانَ إدْخَالُهُمْ بِمُخَصِّصٍ وَهُوَ التَّفْسِيرُ بِالذُّرِّيَّةِ وَذُرِّيَّتُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمْ أَوْلَادُ فَاطِمَةَ فَمَا الْفَرْقُ بَيْنَ مُخَصِّصٍ وَمُخَصَّصٍ؟

وَقِيلَ: إنَّ الْآلُ هُمْ الْقَرَابَةُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ وَإِلَى ذَلِكَ ذَهَبَ جَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ.

وَقِيلَ: هُمْ الْأُمَّةُ جَمِيعًا، قَالَ النَّوَوِيُّ..

– الشيخ : يعني: الأتباعُ، يعني: أتباعُ الرسولِ عليه الصلاة والسلام مِن أُمَّتِهِ.

– القارئ : قَالَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ: وَهُوَ أَظْهَرُهَا، قَالَ: وَهُوَ اخْتِيَارُ الْأَزْهَرِيِّ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمُحَقِّقِينَ انتهـى.

وَإِلَيْهِ ذَهَبَ نَشْوَانُ الْحِمْيَرِيُّ إمَامُ اللُّغَةِ.

– الشيخ : هذا اسمٌ جديدٌ! نَشْوَانُ إمامُ اللغةِ.

– القارئ : وَمِنْ شِعْرِهِ فِي ذَلِكَ: آلُ النَّبِيِّ هُمْ أَتْبَاعُ مِلَّتِهِ مِنْ الْأَعَاجِمِ وَالسُّودَانِ وَالْعَرَبِ

– الشيخ : .. هُمُ أَتْبَاعُ مِلَّتِهِ .. مِنْ الْأَعَاجِمِ

– القارئ :

 وَالسُّودَانِ وَالْعَرَبِ

لَوْ لَمْ يَكُنْ آلُهُ إلَّا قَرَابَتَهُ … صَلَّى الْمُصَلِّي عَلَى الطَّاغِي أَبِي لَهَبْ

– الشيخ : الله الـمُستعان، كلُّ الأدلةِ الدالَّةُ على فضلِ أهلِ البيتِ كلها يَخرجُ عنهم مَن لمْ يتبعْ الرسولَ، فمَنْ لمْ يتبعِ الرسولَ لا حظَّ لَه من هذا الفضل أبداً، هؤلاءِ مُبْعَدُونَ بالنصوصِ الدالةِ على بُعدِهم وعلى شقائِهِم.

 

– القارئ : وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ أَيْضًا قَوْلُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مِنْ أَبْيَاتٍ:

وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيبِ … وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَاكْ

– الشيخ : قولُ مَن؟

– القارئ : عَبْدِ الْمُطَّلِبِ

– الشيخ : عَبْدُ الْمُطَّلِبِ الجَدّ، أيش يقول؟

– القارئ : وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيبِ … وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلُكْ

– الشيخ : وَانْصُرْ عَلَى آلِ الصَّلِيبِ  وَعَابِدِيهِ الْيَوْمَ آلَك. يعني: يريدُ أهلَ البيتِ.

 

– القارئ : وَالْمُرَادُ بِآلِ الصَّلِيبِ أَتْبَاعُهُ وَمِنْ الْأَدِلَّةِ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ [غافر:46] لِأَنَّ الْمُرَادَ بِآلِهِ: أَتْبَاعُهُ.

وَاحْتُجَّ لِهَذَا الْقَوْلِ بِمَا أَخْرَجَهُ الطَّبَرَانِيُّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ لَمَّا سُئِلَ عَنْ الْآلِ قَالَ: (آلُ مُحَمَّدٍ كُلُّ تَقِيٍّ) وَرُوِيَ هَذَا مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ وَحَدِيثِ أَنَسٍ وَفِي أَسَانِيدِهَا مَقَالٌ.

وَيُؤَيِّدُ ذَلِكَ مَعْنَى الْآلِ لُغَةً، فَإِنَّهُمْ كَمَا قَالَ فِي الْقَامُوسِ: أَهْلُ الرَّجُلِ وَأَتْبَاعُهُ، وَلَا يُنَافِي هَذَا اقْتِصَارَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ عَلَى الْبَعْضِ مِنْهُمْ فِي بَعْضِ الْحَالَاتِ كَمَا تَقَدَّمَ.

وَكَمَا فِي حَدِيثِ مُسْلِمٍ فِي الْأُضْحِيَّةِ: (اللَّهُمَّ تَقَبَّلْ مِنْ مُحَمَّدٍ، وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَمِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ). فَإِنَّهُ لَا شَكَّ أَنَّ الْقَرَابَةَ أَخَصُّ الْآلِ، فَتَخْصِيصُهُمْ بِالذِّكْرِ رُبَّمَا كَانَ لِمَزَايَا لَا يُشَارِكُهُمْ فِيهَا غَيْرُهُمْ كَمَا عَرَفْت، وَتَسْمِيَتُهُمْ بِالْأُمَّةِ لَا يُنَافِي تَسْمِيَتُهُمْ بِالْآلِ، وَعَطْفُ التَّفْسِيرِ شَائِعٌ ذَائِعٌ كِتَابًا وَسُنَّةً وَلُغَةً، عَلَى أَنَّ

– الشيخ : عَطْفُ التَّفْسِيرِ، وعطفُ الخاصِ على العامِّ، والعامُّ على الخاصِّ، هذه أساليبٌ معروفةٌ تُفَسَّرُ بها نصوصُ الكتابِ والسنةِ؛ لأنَّها وردَتْ باللسانٍ عربيٍّ، وكلُّ هذه الوجوهِ هِي مِن أساليبِ اللغةِ العربيةِ.

 

– القارئ : عَلَى أَنَّ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورَ آخِرَ هَذَا الْبَابِ فِيهِ عَطْفُ أَهْلِ بَيْتِهِ عَلَى ذُرِّيَّتِهِ، فَإِذَا كَانَ مُجَرَّدُ الْعَطْفِ يَدُلُّ عَلَى التَّغَايُرِ مُطْلَقًا لَزِمَ أَنْ تَكُونَ ذُرِّيَّتُهُ خَارِجَةً عَنْ أَهْلِ بَيْتِهِ. وَالْجَوَابُ: الْجَوَابُ. وَلَكِنْ هَهُنَا مَانِعٌ مِنْ حَمْلِ الْآلِ عَلَى جَمِيعِ الْأُمَّةِ وهُوَ حَدِيثُ: (إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْن مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا: كِتَابُ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي) الْحَدِيثُ وَهُوَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ الْآلُ جَمِيعَ الْأُمَّةِ لَكَانَ الْمَأْمُورُ بِالتَّمَسُّكِ وَالْأَمْرُ الْمُتَمَسَّكُ بِهِ شَيْئًا وَاحِدًا وَهُوَ بَاطِلٌ.

الْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ أَبُو دَاوُد وَالْمُنْذِرِيُّ وَهُوَ مِنْ طَرِيقِ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ الْمُجْمِرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وآله وَسَلَّمَ. وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ. وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ فِي مُسْنَدِ عَلِيٍّ مِنْ طَرِيقِ عَمْرِو بْنِ عَاصِمٍ عَنْ حِبَّانَ بْن يَسَارٍ الْكِلَابِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ طَلْحَةَ الْخُزَاعِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ الْحَنَفِيَّةِ عَنْ أَبِيهِ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِلَفْظِ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهِ عَلَى أَبِي جَعْفَرٍ وَعَلَى حِبَّانَ بْن يَسَارٍ.

الْحَدِيثُ اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الزَّوْجَاتِ مِنْ الْآلِ وَالْقَائِلُونَ أَنَّ الذُّرِّيَّةَ مِنْ الْآلِ وَهُوَ أَدَلُّ عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ؛ لِذِكْرِ الْآلِ فِيهِ مُجْمَلًا وَمُبَيِّنًا.

قَوْلُهُ: (بِالْمِكْيَالِ) بِكَسْرِ الْمِيمِ: وَهُوَ مَا يُكَالُ بِهِ.

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ أَعْظَمُ أَجْرًا مِنْ غَيْرِهَا وَأَوْفَرُ ثَوَابًا.

قَوْلُهُ: (أَهْلَ الْبَيْتِ) الْأَشْهَرُ فِيهِ النَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ وَيَجُوزُ إبْدَالُهُ مِنْ ضَمِيرِ عَلَيْنَا.

قَوْلُهُ: (فَلْيَقُلْ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ) قَالَ الْإِسْنَوِيُّ: قَدْ اشْتَهَرَ زِيَادَةُ "سَيِّدِنَا" قَبْلَ: "مُحَمَّدٍ" عِنْدَ أَكْثَرِ الْمُصَلِّينَ،

– الشيخ : اشتهرَ ولمْ يُرْوَ ولمْ يَصِحَّ، ما في [لا يوجد] "سيدنا" إلا مِن فعلِ الناسِ.

– القارئ : وَفِي كَوْنِ ذَلِكَ أَفْضَلَ نَظَرٌ. انتهـى.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبْدِ السَّلَامِ أَنَّهُ جَعَلَهُ مِنْ بَابِ سُلُوكِ الْأَدَبِ، وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ سُلُوكَ طَرِيقِ الْأَدَبِ أَحَبُّ مِنْ الِامْتِثَالِ، وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثُ أَبِي بَكْرٍ حِينَ أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَثْبُتَ مَكَانَهُ فَلَمْ يَمْتَثِلْ وَقَالَ: مَا كَانَ لِابْنِ أَبِي قُحَافَةَ أَنْ يَتَقَدَّمَ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ»، وَكَذَلِكَ امْتِنَاعُ عَلِيٍّ عَنْ مَحْوِ اسْمِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ الصَّحِيفَةِ فِي صُلْحِ الْحُدَيْبِيَةِ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُ بِذَلِكَ وَقَالَ: "لَا أَمْحُو اسْمَك أَبَدًا"، وَكِلَا الْحَدِيثَيْنِ فِي الصَّحِيحِ فَتَقْرِيرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُمَا عَلَى الِامْتِنَاعِ مِنْ امْتِثَالِ الْأَمْرِ تَأَدُّبًا مُشْعِرٌ بِأَوْلَوِيَّتِهِ. انتهى.

– الشيخ : اللهم صلِّ على عبدِكَ ورسولِكَ محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ، ولكن يَرُدُّ هذا الكلامَ في موضوعِ السَّيِّد أنَّ التسييدَ هذا، هذا ما يُعرَفُ إلا مِن الـمُتأخرينَ، أمَّا السَّلَفُ الأولُ فلمْ يُنْقَلْ عَن أحدٍ منهم أنَّهم كانوا يُسَيدون، الصحابةُ أنهم أبَداً. يقولونَ: ما قالَ لهمْ نبيُّهُم صلى الله عليه وسلم: (اللهم صلِّ على محمَّدٍ، وعلى آلِ محمَّدٍ، كما صليتَ على ابراهيمَ، وعلى آلِ ابراهيمَ، إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ).

 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه