file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(63) باب النهي عن الكلام في الصلاة

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

التَّعليق على كتاب (المنتقى) للمجد ابن تيميَّة

الدَّرس: الثَّالث والستون

***      ***      ***

 

– القارئ: بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. قالَ الإمامُ مجدُ الدِّينِ عبدُ السَّلامِ ابنُ تيمية الحرَّانيّ رحمه الله في كتابه "الـمُنتقى في الأحكامِ الشرعيةِ مِن كلامِ خيرِ البريةِ صلى الله عليه وسلم":

أَبْوَابُ مَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ وَيُبَاحُ فِيهَا

– الشيخ : لا إله إلا الله، الله أكبر، كانَت الأبوابُ الماضية كلّها في صفةِ الصلاةِ وما يجبُ فيها أو يُستحبُّ فيها، وأمَّا هذه الأبواب ففي خلاف ذلك، فيما يَحرمُ، أو يُكرَه.

 

– القارئ: عَنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ:  "كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ مِنَّا صَاحِبَهُ وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى أُنزلَتْ: وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ [البقرة:238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ، وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ".  رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ، وَلِلتِّرْمِذِيِّ فِيهِ: "كُنَّا نَتَكَلَّمُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ".

وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِالْمَدِينَةِ بَعْدَ الْهِجْرَةِ؛ لِأَنَّ

– الشيخ : الله أكبر، يعني معناه أنَّهم كانوا يتكلّمون مثل: "يُكلِّمُ أحدُنا صاحبَه إلى جنبِه"، ما يعقدون جلسة ويسولفون [يتكلمون] على [….]، لا، لكن يمكن يقول: "انتظرني إذا سلَّمنا" أو "إذا صلينا"، "اذهبْ إلى فلان، افعل كذا"، "يُكلِّم أحدُنا صاحبَه إلى جنبه بما تيسَّر"، ثمَّ نُهُوا عن ذلك وحُرِّمَ الكلام في الصلاة تحريماً مطلقاً تاماً، (إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، إِنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ والتَّحميدُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ).

 

– القارئ: لِأَنَّ زَيْدًا مَدَنِيٌّ، وَقَدْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَتَكَلَّمُونَ خَلْفَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى أَنْ نُهُوا.

وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ، فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَيْكَ فِي الصَّلَاةِ فَتَرُدُّ عَلَيْنَا؟ فَقَالَ: (إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ.

– الشيخ : الله أكبر، لا إله إلا الله.

– القارئ: وَفِي رِوَايَةٍ: "كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ كُنَّا بِمَكَّةَ قَبْلَ أَنْ نَأْتِيَ أَرْضَ الْحَبَشَةِ، فَلَمَّا قَدِمْنَا مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ أَتَيْنَاهُ فَسَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ، فَأَخَذَنِي مَا قَرُبَ وَمَا بَعُدَ حَتَّى قَضَوْا الصَّلَاةَ، فَسَأَلْته فَقَالَ: (إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ: أَنْ لَا يُتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ). رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالنَّسَائِيُّ.

– الشيخ : يعني معناه أنَّ إباحةَ الكلامِ الأولِ نُسِخ، وصار بعد أنْ كانَ مباحاً ومأذوناً فيه صارَ حراماً، (وإن مما أحدَثَه اللهُ مِن أمرِه أن لا تَكَلَّموا في الصلاة).

 

– القارئ: وَعَنْ «مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيُّ قَالَ: بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْت: "يَرْحَمُك اللَّهُ"، فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْت: "وَا ثُكْلَ أُمَّاهُ، مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ؟

– الشيخ : صار يتكلم، [….]، "ماذا صنعتُ أنا؟" "أيش سويت؟" "قلتُ: يرحمك الله"، الله أكبر، يعني كأنه حديثُ عهدٍ بالإسلامِ أو أنه لم يَعلم تحريمَ الكلامِ، رضي الله عنه، والذي عَطسَ حمدَ الله، هو راح يُطبّق تشميتَ العاطِس، هذا لما عطسَ قالَ: "الحمد لله"، قالَ: "يرحمك الله"، فصارَ الصحابة يَنظرونَ إليه نظرَ استنكارٍ، فالرجل يقول: "وَاثكلَ أُمَّيَاه"، يعني "ماذا صنعتَ؟ ماذا حدثَ؟" فدعاهُ النبيُّ وعلَّمَهُ.

 

– القارئ: فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ

– الشيخ : يصمّتونه، نعم

– القارئ: فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يَصْمُتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ، فَلَمَّا

– الشيخ : "لكني" هذي ما أدري، المهم أنه يقول: "لما رَأَيْتُهُمْ يُصْمِتُونِي سكتُ".

– طالب: تكلَّم الشوكانيُّ قال: (لَكِنِّي سَكَتُّ) قَالَ الْمُنْذِرِيُّ: يُرِيدُ لَمْ أَتَكَلَّمْ لَكِنِّي سَكَتُّ وَوُرُودُ

– الشيخ : يعني: يُقدِّر، يعني: على تقرير يعني فلمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصْمِتُونِي لم أتكلَّم، لكني سَكَتُّ، توجيه لكلمة "لكني".

– طالب: قال: وَوُرُودُ "لَكِنَّ" هُنَا مُشْكِلٌ لِأَنَّهُ لَابُدَّ أَنْ يَتَقَدَّمَهَا كَلَامٌ مُتَنَاقِضٌ لِمَا بَعْدَه.

– الشيخ : الأمر سهل، المعنى المقصود واضح.

– القارئ: فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي وَلَا ضَرَبَنِي وَلَا شَتَمَنِي قَالَ: (إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ).

– الشيخ : شوف [انظر] قال: (مِن كلامِ الناسِ) وتخاطباتهم، أمَّا كلماتُ الذِّكر أنْ يقولَ: "الحمد لله" أو "بسم الله" فهذا مما هو مشروعٌ في الصلاةِ، أو جنسُهُ مشروعٌ.

 

– القارئ: أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

رَوَاهُ أَحْمَدُ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَقَالَ: (لَا يَحِلُّ) مَكَانَ (لَا يَصْلُحُ)، وَفِي رِوَايَةٍ لِأَحْمَدَ: (إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ).

وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّكْبِيرَ مِنْ الصَّلَاةِ وَأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ، وَكَذَلِكَ التَّسْبِيحُ وَالتَّحْمِيدُ وَأَنَّ تَشْمِيتَ الْعَاطِسِ مِنْ الْكَلَامِ الْمُبْطِلِ وَأَنَّ مَنْ فَعَلَهُ جَاهِلًا لا تَبْطُلْ صَلَاتُهُ حَيْثُ لَمْ يَأْمُرْه بِالْإِعَادَةِ.

بَابُ أَنَّ مَنْ دَعَا فِي صَلَاتِهِ بِمَا لَا يَجُوزُ جَاهِلًا لَمْ تَبْطُلْ

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: «قَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إلَى الصَّلَاةِ وَقُمْنَا مَعَهُ، فَقَالَ أَعْرَابِيٌّ وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ: "اللَّهُمَّ ارْحَمْنِي وَمُحَمَّدًا وَلَا تَرْحَمْ مَعَنَا أَحَدًا"، فَلَمَّا سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: (لَقَدْ تَحَجَّرْت وَاسِعًا). يُرِيدُ رَحْمَةَ اللَّهِ. رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ.

– الشيخ : حسبُكَ، الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر.

يأخذُ العلماءُ مِن مجموعِ الأدلة الفرقَ بين فعلِ المأمورِ الواجبِ وتَرْكِ المحظورِ، فَتَرْكُ المأمورِ لابدَّ مِن قضاءِهِ أو جَبْرِهِ، وأمَّا فِعْلُ المحظورِ أقصد..، ولو نسياناً كما هو مُقرَّرٌ: مَن ترك ركناً في الصلاة سهواً لابدَّ من الإتيان به، أو قضاءِ الركعة التي تُرِكَ فيها، وأمَّا المحظورُ فمَنْ وقعَ منه المحظور سهواً فإنه لا حرجَ عليهِ ولا يجبُ عليه شيءٌ، مثل مسألة الكلام، مَنْ تكلَّمَ في الصلاةِ سهواً أو جَهلاً فصلاتُهُ صحيحةٌ ولا يترتَّبُ على ذلكَ واجبٌ يفعلُهُ.

ففرقٌ بينَ ما يَقَعُ مِن المحظورِ سَهواً وجَهلاً، وبين ما يقعُ مِن تركِ واجبٍ جهلاً أو نسياناً، فإنه يُتَدَاركُ إمَّا بقضائِه أو بِجبْرِه، مثلاً في واجباتِ الصلاة -مثلاً- الرسول لَمَّا تركَ التشهدَ الأولَ ومضى في صلاتِهِ فعندَ التسليمِ سجدَ للسَّهو، وهذا جَبْرٌ لِمَا تركَهُ، وهو إنَّما تركَهُ ناسياً صلى الله عليه وسلم.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الحديث وعلومه