جدول المحتويات
القارئ: بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ ارحمْنا وشيخَنا والحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ حمَّادٍ آلَ عمرَ -رحمَهُ اللهُ تعالى وغفرَ لهُ- في كتابِهِ: "الدِّينُ الحقُّ".
الشيخ: "الدِّينُ الحقُّ" هذا عنوانُ هذا الكتابِ المباركِ، ودالٌّ على مضمونِه، وهو بيانُ الدِّينِ الحقِّ، لأنَّ الأديانَ كثيرةٌ، أديانُ النَّاسِ، والشَّهادةُ منوطةٌ بالدِّينِ الحقِّ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ [آل عمران:85] فالدِّينُ الحقُّ هو دينُ الإسلامِ المبنيُّ على أصولٍ ولهُ..، ومتضمِّنٌ لعقائدَ ومتضمِّنٌ لأحكامٍ، فيجبُ الإيمانُ بأنَّ الدِّينَ الحقَّ هو دينُ الإسلامِ لا غيره، فكلُّ دينٍ سواه باطلٌ على حدِّ ما جاءَ في الآيةِ الكريمةِ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ ، وتأليفُ هذا الكتابِ من فتحِ اللهِ على مؤلِّفِه وتسديدِه -رحمَه اللهُ وغفرَ له- وما كتبَه إلَّا لأنَّه شعرَ بجهلِ النَّاس بهذه الحقيقةِ فأرادَ أنْ يبيِّنَ ذلك وأنْ يشرحَ فيه ما تضمَّنَه الدِّينُ الحقُّ من الأصولِ الَّتي لا يتحقَّقُ الدِّينُ إلَّا بها.
القارئ:
الفصلُ الأوَّلُ: معرفةُ اللهِ الخالقُ العظيمُ:
اعلمْ -أيُّها الإنسانُ العاقلُ- أنَّ ربَّكَ الَّذي خلقَكَ مِن العدمِ وربَّاكَ بالنِّعمِ هوَ اللهُ ربُّ العالمينَ، والعقلاءُ المؤمنونَ باللهِ تعالى لم يروهُ بأعينِهم، ولكنَّهم رأَوا البراهينَ الدَّالَّةَ على وجودِهِ.
الشيخ: وهي آياتُه الكونيَّةُ، آياتُه الكونيَّةُ قُلِ انْظُرُوا مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [يونس:101]، الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً [البقرة:22]، فالمؤمنون عرفُوا اللهَ بآياتِه ودلائلِ وجودِه وعلمِه وحكمتِه وقدرتِه سبحانه.
القارئ: والعقلاءُ المؤمنونَ باللهِ تعالى لم يروهُ بأعينِهم، ولكنَّهم رأَوا البراهينَ الدَّالَّةَ على وجودِهِ، وعلى أنَّهُ الخالقُ المدبِّرُ لجميعِ الكائناتِ فعرفُوهُ بها، ومِن هذهِ البراهينِ:
البرهانُ الأوَّلُ: الكونُ والإنسانُ والحياةُ:
فهيَ أشياءُ حادثةٌ لها بدايةٌ ونهايةٌ، ومحتاجةٌ إلى غيرِها، والحادثُ والمحتاجُ إلى غيرِهِ لا بدَّ أنَّهُ مخلوقٌ، والمخلوقُ لا بدَّ لهُ مِن خالقٍ، وهذا الخالقُ العظيمُ هوَ "اللهُ"، واللهُ هوَ الَّذي أخبرَ عن نفسِهِ المقدَّسةِ، بأنَّهُ الخالقُ المدبِّرُ لجميعِ الكائناتِ
الشيخ: يُدَبِّرُ الْأَمْرَ كما أخبرَ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ [السجدة:5].
القارئ: وهذا الإخبارُ جاءَ مِن اللهِ تعالى في كتبِهِ الَّتي أنزلَها على رسلِهِ.
وقد بلَّغَ رسلُ اللهِ كلامَهُ للنَّاسِ، ودعوهم إلى الإيمانِ بهِ، وعبادتِهِ وحدَهُ، قالَ اللهُ تعالى في كتابِهِ القرآنِ العظيمِ: إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [الأعراف: 54]
الشيخ: تباركَ اللهُ، تباركَ اللهُ، في هذهِ الجملةِ الاستدلالُ بالمخلوقِ على الخالقِ، فإنَّ المخلوقَ لابدَّ له مِن خالقٍ، الـمُحدَثُ لابدَّ له من مُحدِثٍ، فإنَّ المخلوقَ لا يخلقُ نفسَه، ولا يُوجَدُ من غيرِ خالقٍ، كما قالَ تعالى: أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ [الطور:35] فهذا برهانٌ عقليٌّ قاطعٌ، فالمخلوقُ المحدَثُ لا يوجِدُ نفسَه، لأنَّه كانَ عدمًا والعدمُ ليسَ بشيءٍ، ولا يوجَدُ من غيرِ موجِدٍ، لابدَّ من المحدَثِ أو المخلوقِ لا بدَّ له من خالقٍ، هذا نظرٌ عقليٌّ ضروريٌّ، لا يمكنُ لعاقلٍ أن يقولَ: إنَّ هذا حدثَ من غيرِ محدِثٍ، يضربُ العلماءُ لهذا للتقريبٍ يقولون: إنَّ هذا فطريٌّ في الإنسانِ، الطفلُ الصَّغيرُ لو ضربَه ضاربٌ، ثمَّ قالَ: مَن ضربَني؟ فقيلَ له: لم يضربْكَ أحدٌ، فإنَّه لا يطيقُ ذلكَ، مفطورٌ على أنَّهُ لا بدَّ من ضاربٍ.
القارئ: المعنى الإجماليُّ للآيةِ الكريمةِ: يخبرُ اللهُ تعالى النَّاسَ جميعًا أنَّهُ ربُّهم الَّذي خلقَهم، وخلقَ السَّمواتِ والأرضَ في ستَّةِ أيَّامٍ ويخبرُ أنَّهُ مستوٍ على عرشِهِ، والعرشُ فوقَ السَّمواتِ، وهوَ أعلى المخلوقاتِ وأوسعُها، واللهُ فوقَ هذا العرشِ، وهوَ معَ جميعِ المخلوقاتِ بعلمِهِ وسمعِهِ ورؤيتِهِ، لا يخفى عليهِ شيءٌ مِن أمرِهم، ويخبرُ اللهُ -جلَّ شأنُهُ- أنَّهُ جعلَ اللَّيلَ يُغطِّي النَّهارَ بظلامِهِ، ويتبعُهُ مسرعًا، ويخبرُ أنَّهُ خلقَ الشَّمسَ والقمرَ والنُّجومَ، وجعلَها جميعًا مُذلَّلةً تسيرُ في أفلاكِها بأمرِهِ، ويخبرُ أنَّ لهُ وحدَهُ الخلقُ والأمرُ، وأنَّهُ العظيمُ الكاملُ في ذاتِهِ وصفاتِهِ، الَّذي يُعطي الخيرَ الكثيرَ الدَّائمَ، وأنَّهُ ربُّ العالمينَ الَّذي خلقَهم، وربَّاهم بالنِّعمِ.
الشيخ: ينبِّهُ الشَّيخُ إلى أنَّ اللهَ تعالى الَّذي أخبرَ بأنَّه استوى على العرشِ أنَّه معَ عبادِه كما في الآياتِ الأخرى، فيجبُ الإيمانُ بالعلوِّ والمعيَّةِ، بعلوِّهِ سبحانَه وتعالى فوقَ مخلوقاتِه مستويًا على عرشِهِ، والإيمانُ بأنَّه معَ العبادِ كما قالَ تعالى: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4]، ومعيَّتُه تعالى إنَّما هي بعلمِه وسمعِه وبصرِه، يعني: يعلمُ أحوالَ العبادِ وما ظهرَ وما خفيَ من أحوالِهم ويسمعُ أقوالَهم ويرى حركاتِهم، إذًا هو معَهم مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ [المجادلة:7] وهذا أصلٌ من أصولِ عقيدةِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: الإيمانُ بالعلوِّ والمعيِّة، فهو تعالى عالٍ في دنوِّهِ، قريبٌ في علوِّه، وقد جمعَ اللهُ بينَ الصِّفتين في آيةِ "الحديد" بينَ الأمرينِ في سورةِ الحديدِ عندما قالَ: هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ [الحديد:4] إلى قولِهِ: وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ [الحديد:4].
القارئ: قالَ اللهُ تعالى: وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37].
المعنى الإجماليُّ للآيةِ الكريمةِ: يخبرُ اللهُ تعالى أنَّ مِن آياتِهِ الدَّالَّةِ عليهِ: اللَّيلُ والنَّهارُ والشَّمسُ والقمرُ، وينهى عن السُّجودِ للشَّمسِ والقمرِ؛ لأنَّهما مخلوقانِ كغيرِهما مِن المخلوقاتِ، والمخلوقُ لا يصحُّ أنْ يُعبَدَ، والسُّجودُ نوعٌ مِن العبادةِ، ويأمرُ اللهُ النَّاسَ في هذهِ الآيةِ -كما يأمرُهم في غيرِها- أنْ يسجدُوا لهُ وحدَهُ؛ لأنَّهُ هوَ الخالقُ المُدبِّرُ المُستحِقُّ للعبادةِ.
الشيخ: والشَّمسُ والقمرُ تسجدُ لله، الشَّمسُ والقمرُ هي الَّتي تسجدُ لله، كما في الآيةِ الَّتي مرَّتْ قريبًا أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ... [الحج:18] كلُّها تسجدُ للهِ، لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ [فصلت:37].
القارئ:
البرهانُ الثَّاني: أنَّهُ خلقَ الذَّكرَ والأنثى:
فوجودُ الإناثِ والذُّكورِ دليلٌ على اللهِ.
البرهانُ الثَّالثُ: اختلافُ الألْسُنِ والألوانِ:
فلا يُوجَدُ اثنانِ صوتُهما واحدٌ، أو لونُهما واحدٌ، بل لا بدَّ مِن فرقٍ بينَهما.
البرهانُ الرَّابعُ: اختلافُ الحظوظِ:
فهذا غنيٌّ، وهذا فقيرٌ، وهذا رئيسٌ، وهذا مرؤوسٌ، في حينِ أنَّ كلًّا منهم صاحبُ عقلٍ وفكرٍ وعلمٍ، وحرصٍ على ما لم يتحصَّلْ عليهِ مِن الغنى والشَّرفِ والزَّوجةِ الحسناءِ، ولكنْ لا يقدرُ أحدٌ أنْ ينالَ سوى الَّذي قدَّرَهُ اللهُ لهُ؛ وذلكَ لحكمةٍ عظيمةٍ، أرادَها اللهُ سبحانَهُ وهيَ اختبارُ النَّاسِ بعضُهم ببعضٍ، وخدمةُ بعضِهم البعضَ الآخرَ، حتَّى لا تضيعَ مصالحُهم جميعًا.
والَّذي لم يقدِّرِ اللهُ لهُ حظًّا في الدُّنيا، أخبرَ اللهُ تعالى أنَّهُ يدَّخِرُ لهُ حظَّهُ زيادةً في نعيمِهِ في الجنَّةِ إذا ماتَ على الإيمانِ باللهِ، معَ أنَّ اللهَ منحَ الفقيرَ مزايا يتمتَّعُ بها نفسيًّا وصحِّيًّا في الغالبِ لا توجَدُ عندَ كثيرٍ مِن الأغنياءِ، وهذا مِن حكمةِ اللهِ وعدلِهِ.
البرهانُ الخامسُ: ...
الشيخ: إلى هنا.
القارئ: أكرمَكم اللهُ.
الشيخ: هذا البرهانُ الثَّاني والثَّالث والرَّابع كلُّها في الحقيقةِ تندرجُ في الأوَّلِ تندرجُ في برهانِ الخلقِ، إنَّ خلقَ الذَّكرِ والأنثى وخلقَ النَّاسِ متفاوتين في أحوالِهم وأقدارِهم كلُّه مندرجٌ في الخلق، فاللهُ خلقَ السَّمواتِ والأرضَ ومن فيهنَّ وخلقَ النَّاسَ وجعلَهم أنواعًا وجعلَ لهم أحوالًا وطباعًا وأسبابًا فكلُّ هذا يندرجُ في البرهانِ الأوَّلِ، فالشَّيخُ -رحمَه اللهُ- جعلَها براهينَ وعدَّدَها من بابِ التَّفصيلِ بعدَ الإجمالِ لأنَّ الأوَّلَ شاملٌ، الاستدلالُ بالخلق على الخالقِ هذا برهانٌ شاملٌ، وما بعدَه داخلٌ فيه وتابعٌ له، فمن جملةِ خلقِه أنْ خلقَ الذَّكرَ والأنثى، ومن جملةِ تدبيره سبحانه وتعالى تدبيرُ أمرِ المخلوقين في أحوالِهم من الغنى والفقرِ والقوَّةِ والضَّعفِ واختلافِ الصِّفاتِ واختلافِ الأصواتِ واختلافِ الصُّور كما ينبِّهُ الشَّيخُ على أنَّك معَ كثرةِ الخليقةِ لا تجدُ صوتينِ على حدٍّ واحدٍ أو صورتين متطابقتين من كلِّ وجهٍ، وإنْ كان هناك تشابهٌ تتشابهُ الصُّورُ أو صورتان مثلًا لكن لا تكونُ صورةُ إنسانين متطابقتين بحيثُ لا يظهرُ فرقٌ بينهما من كلِّ وجهٍ، بل لابدَّ إذا اجتمعَا تفرِّق بينَهما، وتارةً يقوى الشَّبهُ فيشتبهُ على بعضِ النَّاس، على من لا يدقِّقُ أو من لا يحقِّقُ، وكلُّ هذه الأمورِ من آياتِ اللهِ الدَّالَّة على وجودِه وعلى حكمتِه وعلى قدرتِه سبحانه وتعالى إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
حسبُكَ.